في الوقت الذي تبحث الدولة عن استراتيجية وحلول لدعم الاقتصاد البحريني وتشجيع الشركات المحلية والعالمية على الاستثمار؛ يخرج علينا مجلس النواب كل يوم بفكرة غير مدروسة ولا محسوبة، في الوقت الذي يتجاهل فيها كثيراً من العوائق والمسببات التي تحول دون أن يكون المواطن البحريني الخيار الأول في التوظيف.
هذا الاقتراح يجب أن تتم دراسته دراسة مستوفية في ظل وجود مشاكل تعاني منها هذه المؤسسات الاقتصادية، ومنها فرض رسوم مستمرة مثل دفع 10 دنانير لكل عامل أجنبي، والذي لم يؤت ثماره؛ بل كانت النتيجة عكسية، حيث زادت نسبة تصاريح العمل بـ20% في 2014، أي هذا الاستقطاع لم يحد من زيادة الأجانب حين أطلقت هيئة سوق العمل سقفاً بلا حدود أو حدوداً يمكن التحايل عليها، ولم يثر الاقتصاد بل أجدبه ونتفه.
لم يتوقف استنزاف المؤسسات الخاصة عند ضريبة الـ10 دنانير، بل أيضاً قيمة الاشتراكات التدريبية السنوية التي يدفعها القطاع الخاص، والتي بلغ إجمالها 15 مليون دينار في السنة، كما جاء على لسان وزير العمل، والذي اعترف أن هناك شركات تدفع قرابة 3 ملايين دينار سنوياً كاشتراكات تدريب؛ إلا أنها لا تستفيد من البرامج التدريبية التي توفرها الوزارة، عدا عن مبلغ الرسوم الصحية 72 ديناراً سنوياً، فأي اقتصاد بعدها ينمو أو يتحرك كي تكون نتيجته البحريني هو الخيار الأول للتوظيف.
إن فرض مزيد من القيود والرسوم على المؤسسات الاقتصادية يعني أن اقتصاد الدولة في ساعات الاحتضار الأخيرة، وذلك حين يكون الخيار الأخير الذي ستتخذه ما بقي من مؤسسات ناجحة هو الهروب باستثماراتها إلى دول خليجية أخرى تقدم كل التسهيلات والدعم للمستثمر الجاد، وليس مثل المستثمرين الذين صنعتهم «تمكين» ومولت مشاريعهم؛ بدءاً من دراسة الجدوى حتى مبان وتأثيث إلى توفير الأجهزة والمعدات، حتى صارت القاصم الأكبر لظهر الاقتصاد.
فماذا بعد هذه القيود والرسوم التي سببت تفاقم مشاكل القطاع الخاص، ثم ترى نفسها أمام مشكلة حين يفرض عليها اختيار مواطن بحريني لا يمكنها إنهاء خدماته بسهولة، خاصة بعد معاناة كثير من الشركات مما قامت به وزارة العمل حين أجبرت هذه الشركات على إعادة المفصولين من أعمالهم.
المواطن البحريني سيكون الخيار الأفضل بلاشك حين يجد شركات ومؤسسات اقتصادية تقدم له رواتب مغرية وميزات قد تفوق موظف الحكومة، وهذا ما كان حصل سابقاً عندما كانت الشركات تبحث بنفسها عن المواطن البحريني، ولكن بعد تدهور الاقتصاد الذي كانت بدايته مع فرض رسوم هيئة العمل، وبعدها عبث «تمكين» في السوق، ثم الوضع الأمني غير المستقر الذي استهدف الشوارع التجارية والحيوية، ومن ثم تستمر الدولة في زيادة الطين بلة حين فرضت رسوم التأمين الصحي على المؤسسات، ويكمل عليها مشروع النواب المواطن البحريني الخيار الأول.
وما النتيجة؟ اقتصاد «متعور» تزيد من «عواره» الدولة ومجلس النواب، ومواطن بحريني يبحث عن ضالته، فإذا به يصبح دعاية نيابية تتاجر بمعاناته ويدغدغ بها مشاعره، وذلك حين يكون الحل لجميع المشاكل الاقتصادية والمواطن في وضع استراتيجية متكاملة تعترف الدولة بأخطائها وتصححها، ويقوم النواب بدراسة مشاريعهم وأفكارهم قبل تقديمها، مشاريع مدروسة وليس مجرد فكرة طارئه أو ملء فراغ الصمت.
ولعلاج حالة ملء فراغ الصمت لدى النواب عليهم أن يكرسوا أنفسهم لخدمة الوطن والمواطن، ولا يكون ذلك إلا عن إرادة ورغبة جادة في الإصلاح ومن أجل إحقاق الحق، والتي بلاشك ستثمر عن اقتصاد قوي ومواطن يحتار في اختياره بأي شركة يلتحق وأي مؤسسة يعمل، وذلك بعد أن تسخر مؤسسات الدولة و»تمكين» ووزارة العمل مجهودها لتنفيذ الأهداف التي من أجلها تم إنشاؤها، وإن كان من أهم الحلول الناجحة هي إلغاء الـ10 دنانير على العامل، ولكن هناك من يصر على بقائها ولا ندري ما هي الأسباب أو الفوائد التي لم تخرج عن أرقام في دفاتر؟!
على النواب الكرام والدولة الاطلاع ومحاكاة الدول الخليجية الأخرى وتقليد تجاربها التي حققت قوة اقتصادية قوية واستطاعت جذب المستثمر والمواطن معاً حين تلاءمت الفرص لكل منهما وصار المواطن هو الخيار الأول بالنسبة للمؤسسة الاقتصادية، بعد أن نال المواطن نصيبه من الدعم، وحصلت المؤسسة على ضمان نجاح استثمارها واستمراره تحت رعاية دولة تكتسح أمامها كل العقبات وتعيد نظرها في دراسة أسباب المعوقات، هذا الذي لم تقدم عليه البحرين حتى تصل إلى مرحلة أن المؤسسة والمواطن يجري كل منهما خلف الآخر.