بخصوص لجان التحقيق المتعددة الوزارية والنيابية حول موضوع العمالة السائبة أذكركم فقط بأننا سبق وأن «اشطتينا» قبل عدة أعوام على نفس الموضوع وقبضنا على عدة آلاف من تلك العمالة ثم عدنا ونمنا وعاد العدد الذي سفرناه وزاد عن الأول!
المشكلة هي إحدى صور التشوهات في سوق العمل وبحاجة لعلاج جذري بحاجة للبحث عن الخلل التشريعي والإجرائي معاً والبدء بالعلاج مع أخذ الضوء الأخضر بالمضي قدماً لأن القرار سيمس أناساً يعتبرون أنفسهم «كبارية» فوق القانون يتاجرون بالبشر «الفري فيزا» ولديهم سجلات وهمية ذات صلاحيات كبيرة، هذا سوق تجاري كبير مواز للسوق الحقيقية موجود وله تجاره وله مستهلكوه، فإن كان تحركنا هذه المرة لإضفاء الحماس والفرح على الإعلام وتنتهي حكايتنا بتسفير بعض من تلك العمالة ومن ثم العودة للنوم من جديد فدعونا نائمين كما كنا، هذه اللقمة كبيرة وسيغص بها من سيفتح ملفها إن لم يكن مستعداً لكبر حجمها، فإما أن نكون جادين في تلك اللجان وننتهي بوضع يدنا على الهوامير الكبيرة التي تستفيد منها وبوضع يدنا على الخلل التشريعي والإجرائي الذي سمح بقيام هذا الاقتصاد الوهمي الموازي للاقتصاد الرسمي وإلا فليبق هذا الباب مغلقاً ولسنا بحاجة إلى حفلات زار و«شطه» على الفاضي.
هذه الكارثة وطنية بامتياز يدفع ثمنها المواطن والبلد بأسره وتفتح باب التدخل الخارجي وتستنزف مواردنا وأموالنا ومسكوت عنها لزمن وتحدث تشوهاً وخللاً بالسوق والشارع التجاري والاقتصاد برمته.
القصة الثانية التي تناولها الشارع التجاري هي موضوع الرسوم التأمينية الصحية ولفت نظر أحد أعضاء اللجنة المالية في الشورى إلى ملاحظة غريبة وهي لماذا كلما جاء الحديث عن الرسوم نجد أن المستهلك البحريني البسيط هو الذي يصرخ مدافعاً عن التجار لا مدافعاً عن نفسه عبر الصحافة و كتاب الرأي والعناوين؟ السبب ببساطة لأنه صدق بأن الزيادة في الكلفة الناجمة عن وضع أو زيادة الرسوم على السلعة لابد وحتماً أن يدفعها هو كمستهلك ولا يدفعها التاجر! وهذا غير صحيح، الصحيح الذي لا بد أن تهتم فيه الصحافة وتعكس فيه أصابع الاتهام وتسأل لماذا لا يتحمل التاجر هذا الفرق في كلفة السلعة أو الخدمة دون أن يحملها للمستهلك خاصة أنها قد تقلص هامش ربحه لكنها لا توقعه في خانة الخسارة؟
لماذا لا تبحث الصحافة في الآثار الإيجابية وتركز على تحسين جودة المنتج سلعة كان أو خدمة؟ لذا يجب أن يتوقف المستهلك والمتحدثون باسمه سواء كانوا صحافة أو كانوا مؤسسات مدنية عن التسليم بأن الكلفة لابد أن يتحملها المستهلك والتوجه للتاجر لسؤاله عن حقيقة «خسائره» من فرض هذه الرسوم لا أن يجعلها كلاماً في الهواء.
ثانياً لفت نظري إلى ملاحظة ثانية وهي لماذا لا يهرب المستثمر من دبي على سبيل المثال بسبب الرسوم المرتفعة المفروضة عليه؟ «للعلم 90% من إيرادات دبي تحصيلها من الرسوم والضرائب وتعادل ما تجنيه البحرين من الإيرادات النفطية» بالعكس المستثمر يدفع رسوماً ويبقى في البلد، وعليه فلا صحة لارتباط هروب الاستثمار بزيادة الرسوم، ودبي ليست المثال الوحيد، إذ أشارت ورشة إصلاح سوق العمل التي قادها سمو ولي العهد عام 2005 إلى عدم ارتباط عوامل جذب الاستثمار بانخفاض الرسوم أو عدمها في أي بلد، بل بالعكس رؤوس الأموال لا مانع عندها من دفع الرسوم إذا كانت تتوافر في البيئة عناصر أخرى كالاستقرار والتشريعات والتحكيم والشفافية والأمن.
خلاصة القول
عزيزي التاجر لسنا ضدك فأنت منا وفينا ونتمنى أن يزيد ربحك ولا يقل وتنتعش تجارتك وينتعش سوقنا، لكن نريد تعاونك معنا لأن سوقنا به خلل كبير وغير متوازن ولك يد كبيرة في إصلاح هذا الخلل معنا ودون تعاونك سيدفع البلد كله الثمن وأنت أولهم، فلا تشكُ بعدها من ركود السوق وتتذمر.