كل منا لديه أسلوبه الخاص بالنظر إلى السعادة في الحياة، وكيف تكون أوقاته مدعمة بالإيجابية بجميع أشكالها، لذا فنحن الشعب العربي كثيراً ما تستوقفنا أسلوب الحياة التي يتمتع بها أهل الغرب، ضاربين بها المثل سواء من ناحية حياتهم الشخصية، العائلية، الاجتماعية والمهنية، ولاسيما سن الشيخوخة. ومهما حاولنا تقليدهم إلا أننا نفشل وبشكل كبير للأسف وغير مدركين ما هي أسباب فشلنا.
لذا فلو قربنا المجهر أمام أعيننا لوجدنا حقيقة أن ما يطبقونه في حياتهم مبدأ في غابة السهولة وبالغ الأهمية، أنهم ببساطة يعرفون جيداً كيف يعيشون مبدأ «عدم خلط الأوراق». فما هي أساسيات هذا المبدأ الذي يغفل عنه الكثير؟ إنه المبدأ الذي يعتمد على الفصل التام ما بين تعاملاتهم الشخصية ومعاملاتهم المهنية، ويعلمون جيداً أن لكل بداية لا بد وأن يكون لها من نهاية في زمن أو مكان ما، سواء هذه النهاية كانت بإرادتهم أو بالغصب عنهم.
ولكن دعونا ننظر إلى ما يجري من حولنا عن قرب؛ ما هو عدد العلاقات الأسرية التي أصابها التصدع والتفكك لسبب تجارة أقيمت بين شخصين من نفس العائلة، ولسبب اختلافهما مهنياً وفسخ العقد العملي الذي كان بينهما أدى هذا الأمر إلى شلخ عميق في العلاقة الأسرية التي تجمعهما.
أو إذا تم وحصل عقداً من نوع آخر كعقد النسب أوالمصاهرة على سبيل المثال، وفي حال قرر أحد الشريكين بإنهاء سريان هذا العقد بالطيب لأي سبب من الأسباب ومن دون الخوض في التفاصيل، والتي احتمال عند البوح بها ستسبب جرحاً عميقاً لأحد الطرفين، واكتفى بالانسحاب بسلام، فبدل أن تفرد أوراق المصارحة بين جميع الأطراف بل على العكس نجد أن حرباً ضروساً قد شنت والعلاقة العائلية والرابط الرحيمي الكبير الذي كان يشمل الجميع فقد تحول إلى حزام ناسف ليفتك ويقضي على الروابط الحميمية والطيبة.
والأبسط من ذلك ولا يقل أهمية عما سبق وذكر، أنهم في حياتهم اليومية يعلمون جيداً كيف يستخدمون سياسة «لا» في الوقت المناسب، ويقولون «نعم» بناء لما يتوافق مع قناعاتهم الشخصية مهما كان الأمر بسيطاً.
وهنا مايزال الموقف المضحك المبكي، عندما علم أحد المرشحين للانتخابات النيابية في إحدى السنوات أن أحد أفراد عائلته لم يقم بانتخابه، فما كان من هذا المرشح المغمور أنه قام بقطيعة ذلك الناخب، فمن قال إن الرابط العائلي سوف يسلبني حقي الديمقراطي في اختيار من أراه مناسباً من وجهة نظري؟! وغيرها الكثير من الأمثلة التي يفرد لها موسوعات من كتب.
عدا عن ذلك فنحن العرب نحاول بكل ما وسعنا من طاقة أن نستخدم مبدأ «النعم» في جميع الحالات؛ غير مكترثين لطاقاتنا العطائية والتوقيت الزمني الذي يساورنا، هدفنا إرضاء الآخرين على مجموع كثير من الحسابات التي تتعارض مع قناعاتنا، لذلك فإننا نتعرض لكثير من الإحباطات النفسية والعصبية، والتراكم المستمر لهذه الإحباطات يولد لدينا ما يعرف بالطاقة السلبية التي لم تسمح لنا أن نستمتع بالأمور الجميلة التي نطوق بها من جميع الجوانب مهما كَبر حجمها أو صغر.
فنحن نردد جيداً أنه لا بد وأن نعطي أخانا، صديقنا، أو أهلنا 70 عذراً، ولكن في الواقع غير مستعدين أن نعطي أكثر من عذر واحد هذا إن وجد، إلا من رحم ربي...
فكيف سيكون لدينا مساحة زمنية كي نتمكن من العيش بسعادة ونفكر بإيجابية؟! فلا بد من إعادة النظر في ترتيب أوراق حياتنا اليومية ونبعد كل البعد عن سياسة «خلط الأوراق» كي ننعم بإيجابية ليس لها حدود..