نقف اليوم على مشهد وطن عربي متشظٍّ، فككت أجزاؤه بفعل عوامل أغلبها مصنوع بأيدي مهرة أجانب رسموا خارطة الشرق الأوسط الجديد بعناية ودقة فائقتين، ونفذوها بقدرة وتمكن، مزقوا الوطن العربي من الشريان إلى الشريان، زرعوا خلايا الإرهاب في كل صوب وناحية منه، حتى انفجر شرها، محولين الوطن العربي إلى «شظايا بلور مكسور»، ويبقى الخليج العربي المتضرر الأكبر من تلك الشظايا المتطايرة حوله، وإن لم يتوخ الحذر، ويتسلح به، لعل واحدة من تلك الشظايا تصيبه في مقتل -لا سمح الله- لتتكالب عليه ذئاب الغاب الدولي سكاكين تتشفى في سقوطه وتنكل به.إن كل مجريات الأمور التي يصنعها ذئاب الغاب الدولي ويوجهها إنما اختارت الخليج العربي هدفاً أول، وهو ما يؤكده قتال «المسلمين» للمسلمين -إن كانوا من الإسلام في شيء طبعاً- في تجاهل فاضح وواضح للقضايا التي تمثل هماً مشتركاً للحكومات والشعوب العربية والإسلامية؛ فعندما ندرك أن تلك الجماعات لم تحاول حل القضية الفلسطينية ومواجهة «إسرائيل» أو استهدافه، ولم تستهدف في خططها البشعة القواعد العسكرية الأجنبية في البلاد العربية، ولم تستهدف بشكل خاص غير المسلمين في بلاد المسلمين؛ فإن الهدف لابد أن يكون في هذه الحالة الخليج العربي بكل السبل المتاحة في الإقليم.نواجه اليوم خطر الراديكالية المتطرفة، ولاشك في أنها صنيعة استخباراتية مدعومة من جهات أجنبية، تتربص بالخليج العربي من موقعها في الداخل البحريني والسعودي مثلاً، أو في عمقه الاستراتيجي كاليمن والعراق وسوريا، أو في مناطق متفرقة من الوطن العربي والعالم نحو ليبيا وبعض من أوروبا.إن الجماعات الراديكالية المتطرفة؛ الدواعش وغيرهم، بحثوا عن مواطن الصراع والنزاع، وأوجدوا بيئات حاضنة لهم يرتعون فيها، كي يحققوا لأنفسهم من خلالها مزيداً من النمو والقوة، وإن تطاول راديكاليو الداخل والعمق الاستراتيجي وأدوا بعض أدوارهم التي رسمت من ذي قبل، فقد اختار راديكاليو المناطق الأخرى ألا يستهلكوا كل طاقاتهم، وأن يرتبوا صفوفهم لضمان تحقيق نماء دولتهم في الخارج، حتى لا تطالهم الأيدي الخليجية بما يكفي للمحاربة، ومن ثم يبدأ الهجوم كما فعل سابقوهم.يتطلب ذلك أن يعمل الخليج في حربه على هؤلاء الراديكاليين المتطرفين أن يبدأ بضرب كل خطوط الإمداد خاصتهم، ومن ثم جرجرتهم إلى حرب استنزاف لما لديهم من موارد، ومن ثم الحصار. إن الخليج العربي متى ما تمكن من قطع الشريان الراديكالي من المنطقة ومحاربة من في الخارج وفق تلك الخطط، سيكون بلغ غايته في تجفيف منابع الإرهاب والقضاء عليه، وحافظ ما أمكن على أمنه ومصالحه الاستراتيجية. وبقدر ما بإمكان الخليج تقديم الدعم بكافة أشكاله اللازمة لمطاردة الراديكاليين المتطرفين في الخارج والعمل على إخراج المنطقة من أزماتها التي هيأت لها أن تكون حاضنات بيئية لتلك الجماعات، سيكون أمن لنفسه مزيداً من الاستقرار وللمنطقة من حوله، فلعل هناك أملاً في لملمة تلك الشظايا العربية وجمع آخر ما تبقى من أجزائها بشكل أو بآخر.