منذ أدركنا معنى الحياة، كانت الكويت وطننا بالرضاعة، فلم نك نغادر مشاهدة تلفزيون دولة الكويت في مطلع السبعينيات، فكانت «ماما أنيسة» ومسلسلات «الحدباء وأجلح وأملح وشرباكة والملقوف»، هي الرافد الوطني والروحي الذي استقيناه من فنون الكويت ومن عبق تاريخها الأصيل.
كلنا يتذكر جيداً المرعب جاسم يعقوب والبقية الرائعة مثل فتحي كميل وعبدالعزيز العنبري والدخيل والطرابلسي. هذه هي الكويت التي نشبت في ذاكرتنا الوطنية، حتى كنا نعتقد جازمين حينها أن الكويت هي عاصمة البحرين.
في عيد الكويت الوطني المجيد نشارك أهلنا وأحبتنا في الكويت أفراحهم وهمومهم وتطلعاتهم، ونبارك للشعب الكويتي وللقيادة في الكويت أعيادهم المجيدة. فالكويت لم تغادرنا ولم نغادرها، فالتاريخ أقوى من كل العواصف، والعواطف التي تربطنا بوطننا الثاني أرسخ من أعتى الجبال، فالكويت مركز الذاكرة الخليجية، وهي التي علمتنا معنى الحب والوفاء والصدق، فكانت ذاكرة للفكر والجسد.
مجلة العربي؛ أتذكرها جيداً وهي تلملم مشاعرنا وأفكارنا، وهي التي علمتنا كيف نقرأ وكيف نكتب وكيف نتهجى حروف العروبة وقبول الآخر، وعلمتنا كل الألوان وجمال الأطياف. العربي والكويت وغيرهما من المجلات التي أَثرت وعينا الزاخر بالتاريخ الخليجي النابض وباستشراف المستقبل.
كلنا يتذكر الأندية الكويتية؛ حيث العربي والقادسية والسالمية والفحيحيل والجهراء واليرموك وكاظمة والتضامن وبقية الأندية التي كنا نحرص على متابعتها بعد أن نرمي دفاترنا فوق الأرض موهمين أمنا العزيزة الراحلة، بأننا نقيم طقوس واجباتنا المدرسية، لكن على وقع صدى خالد الحربان.
مناطق الكويت هي التي علقت في ذاكرتنا منذ نحو أكثر من أربعين عاماً حتى يومنا هذا فتأبى أن تغادرنا، فمناطق كدسمان والمرقاب وكيفان والسرة والدعية والشويخ والصليبيخات والفحيحيل والرقة والعارضية والصليبية وبيان والنقرة والفنطاس وحولي، كلها باتت أمكنة محفورة في صلب ذاكرتنا الجمعية والوطنية.
قبل نحو عام من اليوم جرفني الحنين نحو الكويت، فشددت رحلي متجهاً بكل عشق لوطني الآخر على ضفاف الخليج العربي، قبل عام فقط كنت أتجول في سوق شرق بالقرب من محل سكناي في «دسمان» الشموخ، وكلما مررت بمنطقة من مناطق الكويت العزيزة بدأت تتداعى أمامي كل الذكريات، فكنت أسترجعها بطريقة تلملم كل طفولتي، فشعرت أن كل التاريخ الذي تشربت منه أفكاري كان ماثلاً أمامي في كل شبر من الكويت، ولهذا حين بدأت أقرأ قائمة الطعام الشعبي في «المباركية»، تهدرجت رائحة تعليقات عملاقة الفن في مسلسلي «درب الزلق» و»الأقدار»، فبقدر ما كان عبدالعزيز النمش «أم عليوي» يحتضن السفرة المعتقة في بيتها الذي ثمنته حكومة الكويت بعد النفط، سرعان ما تذكرت الغزو الغاشم لأعز وطن سكن فؤادي وتذكرت معها:
وطنـي الكويــت سلمـت للمجـد
وعلـى جبينـــك طالــع السعـــــد