«زيادة وتيرة أعمال العنف محاولة لإعادتنا إلى الوراء، وهو أمر لن يكتب له النجاح»؛ هذا كلام مهم منسوب إلى ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة الذي ينسب إليه أيضاً تأكيده أن «الطريق الأمثل للمرحلة المقبلة وقف أعمال العنف بكافة أشكاله وصوره والقبول بالتوافقات التي تحقق تطلعات جميع مكونات المجتمع». المؤسف أن «المعارضة» لم تأخذ بهذا واستمرت في خيارها الذي رغم علمها بسوئه، إلا أنها ظلت متمسكة بقولها إنه «سلمي» ومعتقدة أنه السبيل الأنجع للوصول إلى نهاية للمشكلة.
قبل أيام قال أحد الناطقين باسم «المعارضة» لبعض الفضائيات؛ إن الطريق الأمثل لإغلاق هذا الملف هو الحوار، وهو قول جميل لكنه يثير ألف سؤال وسؤال عن أسباب تضييع «المعارضة» للفرص السابقة وتسببها في إفشال العديد من جولات الحوار الذي قالت حينها إن المتحاورين متوافقون على نحو 80% من الأمور.
هـــذه واحــدة مــن إشكاليات «المعارضـــة» فــي البحرين، تضييع الفرص ثم التباكــي عليها، وهذا يعني أنها تعاني من مشكلة تحول بينها وبين اقتناص اللحظة، فالعمل السياسي يتطلب من المشتغلين به سرعة قراءة المتغيرات والاستفادة منها، حيث الفرص إن لم تستغل في التو واللحظة تضيع وإن ضاعت لا تعود، كما إن المكاسب في العمل السياسي لا تتحقق بالضرورة دفعة واحدة.
كان بإمكان «المعارضة» تحقيق الكثير من المكاسب في مرحلة سابقة، فالظروف حينها كانت أفضل والمشكلة كانت أقل تعقيداً، اليوم لن تتمكن إلا من تحقيق بعض تلك المكاسب، وغداً ستقل مكاسبها إن لم تستغل اليوم ما هو متاح وسيقل وزنها تبعا لذلك في الشارع الذي أعطاها ثقته وركن إلى ذكائها وخبرتها، لذلك فالأفضل لها وللحراك أن تتعامل مع المعطيات الآنية وتحقق ما يتيسر من مكاسب لأن معطيات الغد تختلف وفرص الكسب منها أقل. هذا ما يقوله الواقع، وهكذا يقول المنطق الذي يضع في اعتباره المتغيرات المتسارعة في المنطقة والمفتوحة على خيارات المجهول.
أعمال العنف والتخريب لن توصل إلى شيء، واستمرار الخروج في مظاهرات أياً كان عدد المشاركين فيها لن يوصل إلى شيء، والعناد و«ركوب الرأس» لن يوصل إلى شيء. أيضاً لن يوصل إلى شيء تلك البيانات التي تصدرها المنظمات الحقوقية العالمية وغيرها، ولا التصويتات على القرارات المعبرة عن التعاطف والمجاملة في البرلمانات الغربية، ولا الندوات التي تعقد يومياً في بيروت وطهران ولندن، ولا الاعتصامات أمام السفارات الخليجية في العواصم الأجنبية. ما يمكن أن يوصل إلى مفيد حقاً هو التوقف للحظة ومراجعة النفس والنظر إلى ما وصلت إليه أحوال الناس بسبب هذا التخبط وقصر النظر، والعودة إلى العقل و«القبول بالتوافقات التي تحقق تطلعات جميع مكونات المجتمع»، فما ينبغي أن تدركه هذه «المعارضة» هو أنها ليست المعارضة الوحيدة في الساحة، وليست هي وحدها من لها مطالب وتسعى إلى تحقيق المكاسب.
اعتقـاد «المعارضة» أن الدولة ستتعـــب أو ستعجز اعتقاد خاطئ، وهو كلام ردده البعض بهدف شحن العامة ليس إلا، فما هو في يد الدولة من أدوات غير متوفر لدى «المعارضة»، وما تمتلكه الدولة من علاقات مع مختلف الدول لا تمتلكه «المعارضة» التي عليها أن تدرك أيضاً أن الدول التي تركن إليها وتعتقد أنها ستعينها على تحقيق أهدافها لا يمكنها التفريط في مصالحها من أجل معارضة محدودة التأثير قليلة الخبرة وهشة، بما في ذلك إيران التي تشد بها ظهرها.
على «المعارضة» أن تعيد قراءتها للساحات المحلية والإقليمية والدولية التي تغيرت فيها المعطيات والظروف، والتي ليس بينها ما يمكن أن يصب في صالحها.