كثيرة هي القصص التي نسمعها ونقرؤها في الصحف المحلية الخاصة بالمنازعات والشكوى في المحاكم بين المؤجر والمستأجر، وبين دوامة عقود إيجار العقارات، وبين شاكٍ وباكٍ في المحاكم؛ فكم مستأجر سلب حقوق المؤجر، وكم مؤجر تسلق على رقاب المستأجرين بلا رحمة، وكم هي عدد الدعاوى التي رفعت لتحسم، وكم هي القضايا التي مازال أصحابها ينتظرون البت فيها، فما كان بعد هذه المعاناة المقلقة والطويلة، إلا أن تسعى دولة القانون لإيجاد حلول ترضي جميع الأطراف -المستأجر والمؤجر- من خلال قانون إيجار العقارات الجديد، وتشكيل لجنة خاصة لتسوية المنازعات الإيجارية للفصل فيها على وجه السرعة، ليكون بعد ذلك الدليل الإجرائي لقانون إيجار العقارات على أرض الواقع، من أجل سيادة القانون وليس سيادة البقاء للأقوى أو لأصحاب النفوذ.
قانون الإيجار الجديد بالفعل خطوة ممتازة للفصل في المنازعات الإيجارية، والنظر في المنازعات بسرعة والتي لا تتجاوز الثلاثة شهور دون الحاجة للوقف أمام القضاء كما السابق، بعدما كان القانون القديم يتأخر في حل النزاع بين الأطراف، وهذا له دلالة واضحة بأن السلطة القضائية تعمل وبنزاهة وكفاءة من أجل صون حقوق الجميع، لما في ذلك من أهمية بأن يشعر المجتمع بالأمان، وأن القانون وجد ليحمي الممتلكات والاستثمارات، ولاسيما بث الطمأنينة للمستثمرين من الخارج بأن يحتموا بالقانون متى ما احتاجوا إليه، مما سيعكس ذلك بالإيجاب على اقتصاد البلد وانتعاش أسواقه. «الجهل بالقانون لا يعفي من الوقوع تحت طائلته»، مبدأ قانوني يدعو إلى معرفة الشيء «اللي لك واللي عليك»، بمعنى آخر ضرورة المعرفة التامة، والتوعية القانونية لتجنب الوقوع في منازعات أو في معاملات النصب والاحتيال، لذلك فإن معرفة القانون تجعل الفرد على بينة وبصيرة بجميع المعاملات المختلفة والعلم التام بالقانون الخاص به، لذلك من المهم بعد أن أصبح قانون إيجار العقارات الجديد في متناول يد المستفيدين منه، أن تعم ثقافة قراءة القوانين وفهمها وعدم الوقوع في الأخطاء السابقة.
فنحن نفتقد بأن نثقف أنفسنا قانونياً؛ بل نفتقد القراءة ونحن أمة اقرأ، نفتقد بأن نوعي أنفسنا بأنفسنا وأن نسعى قدر المستطاع بأن نقرأ القانون قبل أن نطبقه. ولاشك، بأن متى ما انتشر هذا الوعي القانوني في المجتمع فسوف تكون نتائجه إيجابية من خلال خفض المخالفات مما سيحقق فيما بعد الاستقرار المجتمعي وعدم الفوضى. قانون الإيجار الجديد سوف يقيس في ما بعد نضج المجتمع المحلي ليس في تطبيق القانون فحسب وإنما بمقدار التوعية وسد الفجوة بين المجتمع والسلطة القضائية، والذي في نهاية المطاف سوف يؤدي إلى الالتزام بأحكام القانون، وألا سلطة فوق السلطة القضائية والقانون.
دعوة للجهات المعنية والمستفيدة من قانون الإيجار الجديد بأن تأخذ على عاتقها المسؤولية في توعية المجتمع وتثقيفه بخصوص هذا القانون، فالقانون وجد ليكون الفيصل لحل المنازعات والحد منها، لذلك إيصال هذا الدليل الإجرائي لقانون إيجار العقارات مسؤولية الجميع وكل الجهات معنية بذلك، بل ملزمة، بأن يكون هذا الدليل بين أيدي الجميع وأن يطلعوا عليه، حتى يصبح المجتمع في ما بعد حريصاً على قراءة القوانين ويتجنب قدر المستطاع الوقوع في أخطاء قد تسلبه كل ما يملك.
تحية من القلب إلى المجلس الأعلى للقضاء ووزارة العدل للشؤون الإسلامية وهيئة الإفتاء والتشريع القانوني على جهودهم الواضحة لبث الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي والسياسي في المجتمع، من خلال مرتكزات قانونية وقضائية تنصف الجميع.