لم يبق في يد «المعارضة» سوى إصدار بيانات الشجب والتنديد والمطالبات عبر الورق والتغريد و«التحلطم»، فقد استهلكت كل أدواتها حتى مل الناس منها. اليوم وصل كثيرون ممن كانوا مناصرين لها، بل وحتى بعض أعضائها، إلى قناعة بأن كل الأساليب التي جربتها لم تنفع ولن تنفع، فالمسألة ليست بالسهولة التي كانت تتصورها، حيث السعي إلى تغيير نظام حكم يختلف تماماً عن السعي إلى تغيير مجلس إدارة في نادٍ، ومن وعدت بمساندتها والوقوف إلى جانبها هي اليوم في حاجة ماسة إلى من يساندها ويقف معها ويشد من أزرها بعد أن غرقت في مستنقعات سوريا والعراق ولبنان واليمن، ولم تعد تمتلك من المال إلا ما تصرفه على مناورات عسكرية بغية إيهام نفسها بأنها قوية وأنها قادرة على تنفيذ مخططاتها وأحلامها.
السبيــل الوحيد الذي يمكن أن تحقـــق من خلاله «المعارضة» بعض المكاسب كي تحفظ ماء وجهها أمام «جمهورها» هو ترك ما هي فيه وما يسيطر عليها من أفكار وأحلام والتواصل بدلاً عن ذلك مع الدولة كي يستفيد الوطن، فما تقوم به «المعارضة» الآن يضر بالوطن وبالمواطنين ولا يمكن أن يكسبها ويكسبهم غير الآلام والمتاعب.
لا ضير من تخفيض سقف المطالب، وفي العمل السياسي لا عيب في التراجع، ولا ضير ولا عيب ولا بأس في العودة إلى النظر بواقعية إلى الأمور وإيجاد قناة للعقول كي تتواصل مع بعضها البعض، حيث اللقاء بين «المعارضة» والقيادة يمكن أن يغني عن كثير ويغلق باب الآلام والمتاعب، فطالما أن الهدف هو تحقيق مكاسب للمواطنين، وطالما أن هذه المكاسب يمكن تحقيقها عبر هذا الطريق، فلماذا يتم سلك الطريق الآخر والمعروف مسبقاً أنه طريق غير نافذ؟
إن وفداً يتم اختياره من قبل «المعارضة» يضم عقلاء ممن هم غير محسوبين عليها ولكن مؤثرين في المجتمع ومحل ثقة وقادرين على التعبير بصدق عن مطالب المواطنين والتحدث باسمهم، هذا الوفد قادر على تحقيق الكثير لو أنه التقى بالقيادة التي لا ترد كل خطوة عاقلة تصب في مصلحة الوطن والمواطن.
ليس الحديث هنا عن عودة الحوار، ولو أنه شيء طيب ومهم، ولكن عن «وصفة شعبية» لعلاج المشكلة، فطالما أن أبواب القيادة مفتوحة -وهي مفتوحة دائماً- فلماذا لا نختصر الطريق ونتوافق على من يمثل المواطنين لينقل مطالبهم بشكل مباشر إلى القيادة التي أجزم أنها ستقدر هذه الخطوة وستثني عليها وستعطي من خطاها أكثر مما يتوقعه، فتحل بذلك معظم المشكلات ويتفرغ الجميع بعد ذلك إلى حل ما تبقى منها، خصوصاً وأنها غير عصية على الحل لو أتيح للعقل فرصة ليعمل.
المفـــروض أن «المعارضة» وصلت إلـــى قناعة بأن البيانات التي تصدرها بسخاء هي آخر أسلحتها، وأنها لا يمكن أن تكون البديل المناسب لممارساتها الميدانية التي لم تنفع ولن تنفع. ترى ما الذي يمكن أن يكسبه المواطنون الذين تضرروا من بيان يصدر عن هذه الجمعية أو تلك؟ وما الذي يمكن أن يكسبوه من تصريح يدلى به إلى هذه الفضائية أو تلك؟
الأساليب التي لم تنجح من قبل لن تنجح اليوم، هذه حقيقة ينبغي أن تدركها «المعارضة» بكل أطيافها، والبيانات والاحتجاجات الورقية التي لم يعد أمامها سبيلاً غيره عليها أن تدرك أنها لا تفيدها ولا تمسح على الجروح التي تسببت بها على المواطنين. المفيد والعملي هو التواصل مع القيادة والوصول إلى قناعات مشتركة تعين على جب ما سلف وبدء صفحة جديدة.
غير هذا، وبديله الحوار الذي يشارك فيه الجميع من دون استثناء، لن تنتهي المشكلـة وستظـــل «المعارضــة» تصــدر بيانات فاقدة القيمة