مثير للشفقة ما يفعله الانقلابيون ومن سخر جهوده لدعمهم سواء عبر الإعلام أو وسائل التواصل وغيره، إذ حتى ممارسة «التحريف» أصبحت سمة متأصلة، وعملية «الفبركة» وصلت لمستوى يمكن منحهم عليه جائزة «أوسكار» في «المؤثرات الدرامية».
زار البحرين قبل أيام المغني العالمي الأمريكي الشهير جون ليجند، وذلك لإحياء حفل غنائي، تسبب مجرد الإعلان عنه باكتظاظ الجمهور بشكل غير مسبوق أمام محلات «فيرجن» لشراء التذاكر التي نفدت في أقل من ساعة زمان.
جون ليجند الفائزة أغانيه بعدة جوائز عالمية على رأسها «الجولدن جلوب»، كان له حضور مميز قبل أسبوعين في الحفل السابع والثمانين لجوائز «الأوسكار»، وفي الحفل قدم مع «الرابر» كومون أغنية «جلوري» أي النصر، وهي الأغنية الرئيسة في الفيلم الذي ترشح للمنافسة على جائزة «الأوسكار» لأفضل فيلم في عام 2014.
الأغنية بما حملته من مضامين ورسائل مباشرة تتحدث عن الحقبة التاريخية للمناضل ضد العنصرية مارتن لوثر كينج كان لها أثراً بالغاً، لوحظ تأثيراته على كثير من حضور الحفل، فأوبرا وينفيري لم تتمكن من مغالبة شعورها بالبكاء، بينما الممثل البريطاني ديفيد أويلوو «الذي لعب دور الدكتور كينج في الفيلم» غرق في دموعه، كذلك نجم فيلم «ستار ترك» أبيض البشرة كريس بين.
الأغنية فازت بجائزة الأوسكار لفئة أفضل أغنية أصلية لعام 2014 لتخلف أغنية فيلم «الأنيمشين» الرائع «فروزن» التي فازت بنسخة العام الذي سبقه. وحين تسلم الفائزة تحدث كومون بشكل مقتضب، بينما ليجند أسهب وأشار في كلامه إلى استمرار معاناة الأمريكان السود في بلادهم، ووصف الوضع الحاصل في «الولايات المتحدة» حالياً بشأن المعاملة العنصرية وسلب الحقوق للسود بأنه يضم أرقاماً تفوق عدد العبيد السود الذين تم استعبادهم في العقود العديدة الغابرة في التاريخ الأمريكي الحديث، وربط ذلك بتخليد نضال كينج وجماعته ضد العنصرية.
تصفيق حار حصدته كلمات ليجند، خاصة وأنه عبر عن مضامين إنسانية لا يختلف عليها أي إنسان سوي عاقل، تحدث عن العدالة والحقوق، رغم أنه أشار لما تضمه أمريكا من فرص وميزات.
حينما أعلن بعد ذلك عن إحياء ليجند لحفلة في دبي لم يثر أي غبار، لكن حينما أعلن أنه سيحيي بعدها حفلة في البحرين استنفرت العناصر المؤزمة في البحرين كل طاقتها، في استنساخ لمحاولات سابقة هدفها الضغط على الشخصيات الشهيرة حتى لا تزور البحرين وتحيي حفلات فيها أو تحضر فعاليات أو مؤتمرات. وطبعاً هناك من الإعلام من ساندهم في ذلك، وقاد هذه العملية الكاتب الأمريكي في «نيويورك تايمز» نيك كريستوف والذي سبق منع من دخول البحرين، بعد أن دخلها سابقاً وتناول ما فيها بشكل فيه تعاطف واضح وانحياز تام لموقف الانقلابيين دون أن ينقل أي شيء بحيادية ودون أن يتحدث حتى عن الإرهاب واستهداف رجال الشرطة وتأزيم حياة المواطنين والمقيمين. كريستوف حاول أن يضغط على ليجند من خلال «منشنة» حسابه في «التويتر» ومطالبته بشكل مباشر بألا يزور البحرين مشوهاً صورة بلادنا، وتكررت تغريداته الموجهة لجون لكن الأخير لم يتفاعل مع أي منها بل قرر زيارة البحرين، رغم أن كثيراً من الشخصيات المؤزمة والكارهة للبحرين دخلت على خط كريستوف وحاولت التأثير على ليجند.
حان الموعد، ووقف ليجند ليغني بالقرب من قلعة عراد بالمحرق وسط حشد كبير من الحضور، وقبيل الختام، قال كلمته وهو يعزف أنغاماً هادئة على البيانو، هذه الكلمة التي تم تحريفها بشكل «مثير للشفقة» وتم تأليف أخبار وقصص عليها في مواقع الإعلام الانقلابي في الخارج والداخل، مصورين وكأن ليجند تحدث عن البحرين سياسياً بإسهاب، مغفلين أنه ذكر البحرين مرة في هذه الكلمة، طبعاً قبل أن يشيد بالبحرين ويشكرها بداية الحفل، وأقول بأنه تم تحريف ذلك، لأنني شخصياً كنت حاضراً لحفلة ليجند، وقمت من خلال هاتفي النقال بتصوير وتسجيل كلمته بالكامل، والتي فيها تحدث بحديث مشابه لما قاله في حفل الأوسكار عن حقوق السود في أمريكا والعنصرية، وقال بأنهم «يواصلون في أمريكا النضال من أجل التقدم أكثر في مجتمع العدالة، ونصلي أيضاً لشعب البحرين». وفي نهاية هذه الجملة كانت نقطة، أقول نقطة لأنها تكشف فبركة من أراد حرف كلام ليجند، إذ النص الإنجليزي المنشور لها يضع خلفها نقطة أي أن الفكرة انتهت. وهنا نقول بأننا نؤيد ليجند فيما قاله، فكلنا نسعى بل نناضل ونجتهد لتكون مجتمعاتنا أكثر عدالة، وهذا أصلاً أساس حراكنا المجتمعي في البحرين، عبر برلمان وعناصر المجتمع المدني وحتى الحكومة في برامجها وفوق كل أولئك الدولة التي من مهمتها تعزيز العدالة ومحاربة التمييز والفساد، وهي أمور موثقة في الدستور والنصوص القانونية وتعمل بها المؤسسات.
الجملة التي ألحقت بكلام ليجند وشبعوا فيها «لطماً» وسعياً للفكرة، كانت الجملة التالية التي أعقبت نقطة نهاية الجملة الأولى، والتي قال فيها: «ولأولئك الذين يقفون للعدالة، والمصداقية وحرية التعبير والتجمعات السلمية وحرية التنظيم بدون خوف من القمع أقول لهم أنا أقف معكم».
هذه الجملة تتحدث بصيغة عامة، وتشمل كافة البلدان من ضمنها الولايات المتحدة بلد جون ليجند، بالتالي المضحك استغلالها بهذا الشكل «اليائس» من قبل المواقع الكارهة للبحرين وكتابة عناوين كاذبة مثل «ليجند لشعب البحرين: في يوم من الأيام ستتحقق الحرية والمجد لكم»، إذ هذه الصياغة كاذبة تماماً، فجملة ليجند بهذه الصيغة والمعنى لم يوجهها لشعب البحرين، بل عاد في جملته الأخيرة ليسقط الكلام على الوضع الأمريكي ومعاناة السود وليقول بأنه يوماً من الأيام سيأتي النصر رابطاً جملته بأغنيته الفائزة بالأوسكار «غلوري».
زبدة القول فيما نقول، بأنه لو كان جون ليجند قال مثلما ادعت هذه المواقع الكاذبة، ولو كان تأثر بالضغط الذي مارسه عليه نيك كريستوف وغيره من شخصيات انقلابية معروفة بولاءاتها لـ«غير البحرين»، لما جاء ليجند للبحرين أصلاً، ولما جاء ليغني فيها، ولكان اتخذ موقفاً وأطلق تصريحاً مباشراً وواضحاً في مضامينه وكلامه.
لكنها تظل عقدة «المهزوم» والذي «فضحت» مخططاته، حينما يحاول تطويع كل كلمة وحرف وكأنه صادر لأجله وأنه معني به.
شكراً جون ليجند لحضورك، وإقامة حفلك وحضوره الغفير، والجو الرائع كله كان يقول لك وللعالم «هذه هي البحرين الجميلة»، والتي ستبقى جميلة.