لم تتعود الحكومة كجهة تقديم للخدمـــــات أن تتصـــــدى لخطــــاب «المظلومية» المتفشي في الخطاب الديني والذي يلقي بثقل الإرهاصات التاريخية على واقعنا المعاصر، لم تكن تضع رؤية واضحة لكيفية التعامل مع هذا الخطاب الحافل بالمغالطات رغم أنه خطاب يغرس في نفوس الناشئة طبيعة العلاقة بين الفرد والدولة ويؤصل لعلاقة مواطنة مشوهة تخلط بين آلية نيل الثارات وبين آلية عدم قبول الذل وبين الآلية المدنية في المطالب الإصلاحية والحقوقية.
على الدولة مسؤولية كبيرة في مواجهة ثيوقراطية دينية وظفت أجندات سياسية قومية أجنبية ومحلية تحلم بإسقاط الدول وإقامة دولة العدل معتمدة على وجود هذا الخطاب الشاحن المجيش والعازل بين الفرد والدولة، تبدأ المسؤولية بوضع تصور واضح لهذا الخطاب مفرداته ومخزونه الفكري والثقافي والفصل بينه وبين الواقع بخطاب بديل مفند محلل للخطاب الأول ويمنح فرصة للنزول إلى أرض الواقع الحقيقي لا الافتراضي.
على الدولة أن تنزع عنها برقع الحياء غير المستحب هنا وتتصدى لتفنيد هذا الخطاب عبر سلسة إجراءات واستراتيجية شاملة وتخضعه للتفكيك والتحليل والتفنيد والتوعية به والمضي قدماً في التشريعات التي تجرم الكذب والتضليل والافتراء الذي دأب العديد من أصحاب هذا الخطاب على إطلاقه بلا لجم ودون اهتمام لرد فعل أو عناية بدليل أو ببينة، على الدولة أن تخاطب العقول بالمعلومة وبالمقارنة وبالصور التقريبية، أن تنشر الأرقام والإحصائيات وتقارنها بغيرها من الدول وتترجم الأرقام ومعناها، عليها أن توضح ما هي امتيازات المواطن البحريني مقارنة بامتيازاته مع المواطن في دول أخرى ينظر لها كمدينة الأحلام الفاضلة.
هل يعلم البحريني أن الحكومة تصرف على رعايته الصحية 1134 دولاراً سنوياً -كمعدل- وإيران تصرف 490 دولاراً سنوياً على سبيل المثال، هل يعلم البحريني أنه يشتري كيلو اللحم بدينار بحريني والإيراني يشتريه بخمسة دنانير؟ هل يعلم المعلم البحريني أن راتبه في الحكومة يبدأ بـ600 دينار بدون علاوات في حين أن المعلم الإيراني يستلم 76 ديناراً؟ لنضع موارد إيران مقابل موارد البحرين ولتقسم هذه الموارد على الفرد لنرى إن كانت هذه الدولة أكثر عدلاً من البحرين أم لا؟ هل يعلم البحريني أن الدولة تصرف على تعليمه لحين تخرجه بدرجة بكالوريوس ما يعادل 100 ألف دينار لا يدفع منها فلساً واحداً، هذه الأرقام نماذج بسيطة لما يمكن أن يقرب الفهم ويوضح الصورة وهناك العديد من أوجه المقارنات والمقاربات التي تعيد المتلقي إلى أرض الواقع بعد أن تفجر فقاعته الافتراضية التي يعيش داخلها ويجتر فيها آلامه ومعاناته وعذاباته ويجتر فيها بكائياته التي يخلط فيها التاريخ بالواقع فتلتبس عليه الذاكرة.
لم يعد شأن ملامسة هذا الخطاب شأناً دينياً خاصاً حتى تستحي الدولة بأجهزتها الرسمية أن تلجه أو تواجهه، فقد ترتب على هذا «الشأن الخاص» أن سالت دماء وأزهقت أرواح وكادت دول أن تقع بسبب خطابه الأحادي.
كما لم يعد مجدياً أن يتصدى لهذا الخطاب إعلام فقط بمقالات أو ببرامج أو أو، أنت بحاجة لأن تجلس وتضع تصوراً كاملاً لإشراك كل أجهزة الدولة لخرق هذه الفقاعة الافتراضية العازلة وإعادة دمجها مع مجتمعها ومصالحتها مع الدولة وكسر طوق هذا الخطاب المحاصر لها والمستفيد من حيائك وخفرك في غير موضعه.