بادئ ذي بدء؛ يجب أن نعرف المقصود بمقال اليوم، فالبعض قد تختلط عليه مشاعر حب الوطن والتطلع إلى نموه وتطوره واستتباب أمنه من ناحية، والطعن فيه وتشويهه وخيانته من ناحية أخرى، والحق أن الفقير إلى الله كاتب هذه السطور (ومن دون مزايدة على أحد) دافعه الولاء والانتماء والذي يخلق الدافع الأساسي للعمل والعطاء، وليس كنفوس التآمر والعمالة والتي تستبيح تشريح الوطن وفق كل ما حرم وجرم.
نحن اليوم وبحمد الله أكملنا ثلاثة شهور بالتمام والكمال على التشكيلة الجديدة للوزارة الممزوجة بدماء شابة، والتشكيلة الجديدة لمجلس النواب والتي تغير أكثر من نصفها، يعني باقي عشرة أيام ونكمل المئة يوم، وإلى الآن نقرأ في الصحف ونسمع من الوزراء والنواب (جعجعة ولا نرى طحناً) وتصريحات وكلاماً ووعوداً.
حاجة غريبة والله، هناك وزراء يخرجون بالصوت العالى للـ (الشو الإعلامي) بتصريحات مكررة للاستهلاك المحلي لا تغني ولا تسمن من جوع، ويمكن للقارئ العزيز أن يستدل على صدق كلامي بمقارنة صحف العام السابق والعام الذي قبله بصحف الأمس أو اليوم، ستجد نفس التصريحات مكررة، وكل ما تغير هو اسم وصورة (الوزير سين) والذي حل محل (الوزير صاد)!!
لكن هل يمكن أن تحكم على المسؤول بعد ثلاثة شهور من تعيينه؟ أليس هذا الكلام مبكراً جداً؟
ربما؛ لكن الانطباعات الأولى تدوم، كما أن حالة التذمر التي تزيد عند الناس يوماً بعد يوم تستلزم منا التنبيه وطرق باب الحديث في هذا الموضوع مبكراً، علاوة على أن الدروس السابقة علمتنا أن الرغبة في خدمة الوطن والمواطن بإخلاص وضمير تظهر عند المسؤول المخلص منذ أول يوم، بل ومنذ اللحظة التي يجلس فيه على كرسيه، أما الدافع الحقيقي الذي جعلنا نطرق باب الحديث في هذا الموضوع فهو أن ساعة محاسبة المسؤول تبدأ مع انتهاء المئة يوم الأولى من تعيينه!!
إلى الآن لا شيء يبدو واضحاً، بل الوضع ينتقل من الرمادي إلى الداكن، ليس في كلامي هذا يأس كما قد تظن، مع أن اليأس ليس عيباً على الإطلاق كما سبق أن كتبت، خصوصاً في الأوقات البائسة التي نعيشها، بل هو كلام واقعي، وهو ما سبب كل هذا الإحباط عندي وعندك وجعل نفسية المواطن تضيق بضبابية المستقبل، فما نلمسه حتى الآن أن الوزراء والنواب لم يفهموا بعد أن المواطن هو ثروة الوطن الحقيقية والركن الأساسي في مسيرة التنمية والتقدم فيها، وأن وجود كليهما في موقعه وعلى كرسيه هو لخدمة المواطن.
وعلى عكس المواطن البسيط الذي يتعلم بالتجربة ويعيش الإحباط، العبدلله من النوع المتفائل، ومنذ مدة بل ومنذ سنين، أدعو كل أقربائي وأصحابي للتفاؤل، لكن المشكلة أن درب التفاؤل والتواكل الممزوج بالأماني والأوهام أصبح نفسه يسبب الإحباط والاكتئاب، وهو ما قتل بداخلي التفاؤل.
اعطني سبب للتفاؤل..!! وضع المواطن محلك سر، الوضع الأمني ومنذ أربع سنوات نفسه لم يتغير، حال البلد هو.. هو. لا؛ والمحير في الأمر أننا لسنا متأخرين، كما أننا لسنا متقدمين، نحن واقفين في المنتصف، وهذا ما يجعل خبراء الاقتصاد في العالم محتارين في أمر تصنيفنا!!
للأسف بين كل هذا لن تجد ما هو أثقل وطأة على النفس من صديقي والذي يلهج لسانه كل مرة يلتقيني فيها بجملة واحدة لا تتغير منذ سنين، يقولها وهو يشمت: «ما قلت لكم هذي البلد ما بتتغير والمسؤول الفاشل ما يتغير»، وكأن علينا أن نسلم بكلامه ونصدق بأن الوضع سيبقى على ما هو عليه، وأن الفساد سيستمر والفاسدين سيبقون، وأن استنزاف المال العام سيستمر على سفرات ومهرجانات واحتفالات وأمور وأشياء خايبة، وأن زيادة رواتب المواطن مستحيلة لأن الميزانية لا تسمح (رغم أنها تسمح بكل شيء، ولكن تأتي عند المواطن فلا تسمح) وأن نرفع أكفنا ونسأل الله أن يعجل بخلاصنا من هذا الكرب الكابوسي الذى نعيشه وفقدنا الأمل في تغيره.
لكن، هل فعلاً المسؤول الفاشل ما يتغير، كما يقول صديقي؟
مصيبة لو كانت هناك قناعات لدى المسؤولين (الكبار) أن تغيير المسؤول الفاشل أمر يخل بهيبة الدولة.