هل أصبحت الهيئة العامة للتأمين الاجتماعي بنكاً تجارياً توزع أرباحه على الموظفين؟ فإذا كان الحال كذلك؛ فأين أرباح المودعين؟ أم هي جمعية خيرية يدخل موظفوها ضمن «.. والعاملين عليها»؟ وهل توزيع المكافآت السنوية على الموظفين يستند إلى سند قانوني يشرع استفادة موظفي مؤسسة حكومية بمكافآت؟ في الوقت الذي يعاني فيه المتقاعدون من ضعف الرواتب، بينما يستفرد المدير العام بثلاثة رواتب سنوياً، أما المديرون المساعدون فرواتبهم تدخل عليهم آلاف الدنانير، فأيهما أحق بهذه الأموال الموظف المتقاعد والأيتام والأرامل أم المديرون؟
ونسأل هنا؛ ماذا قدم هؤلاء المديرون من أعمال متميزة أو عمل جبار؟ هل استطاعوا أن يقفزوا بالهيئة من العجز إلى أرباح تفوق أرباح شركة «آبل» مثلاً، والتي بلغت في الربع الأخير من سنة 2104، 18 مليار دولار، أو فاقت أرباح شركة «سابك» التي بلغت 23.43 مليار ريال، فلعلنا نجد في مثل هذه الأرباح عذراً وتبريراً بأن يستحق المديرون ومساعدوهم وموظفوهم هذه المكافآت وأكثر.
والأكثر غرابة في هذا الموضوع أن المكافآت لم تقتصر على مدير عام الهيئة وموظفيها، بل وصلت حتى أعضاء مجلس الإدارة، حيث لا تقل مكافآتهم السنوية عن 8000 دينار لكل عضو؛ فبالله عليكم هل هناك أكثر من هذه البحبوحة؟ ثم بأي حق تصل هذه المكافأة لهذه المبالغ الخيالية؟ ثم أليس هناك عمل لوجه الله، أم أنها مكافأة سنوية إن زادت لا تزيد عن الألفي دينار. وهذا الكلام غير مقتصر على مجلس إدارة التأمينات بل جميع المؤسسات الأخرى.
إن نظام المكافآت في الهيئة نظام غير عادل ولا يتفق مع أصول التأمينات التي تجني أرباحها وأصل سيولتها من استقطاعات راتب المواطن، الذي قد يموت وليس لديه أبناء قصر فتذهب حقوقه دون أن يدفع لورثته مكافآت ولا حتى التكفل بمصاريف أهل الميت، فقط نضرب المثل كي نقول إن تمتع موظفي التأمينات على حساب المواطن لا تجيزه قوانين الدنيا ولا القانون الإلهي، فهذه الأموال دين وأمانة وعلى الهيئة التعامل معها بأمانة، فإن توفي أولاً أصحاب الحقوق فتحفظ مالهم وتربيه في مشاريع استثمارية تدر مليارات الدنانير، وذلك كما تفعل الشركات الربحية التي قد يكون لها الحق إن وزعت نسبة من أرباحها على المدير العبقري أو أعضاء مجلس الإدارة الجهابذة الذين تقدموا بالأفكار وطرحوا الآراء وطوروا الإنتاج فاستحقوا المكافأة، لا أن يستحقوا المكافأة من باب «العاملين عليها»، كما تفعل هذه الهيئة.
أما القول بأن المكافآت السنوية لموظفي الصندوق هو حق مكتسب للموظف، فهذا ليس مقبولاً، لأن موظفي الهيئة يخضعون لجدول الرواتب والعلاوات الثابتة، والمكافأة ليست ثابتة، فهي متغيرة بتغير الوظيفة ومرتبطة بالتقييم الوظيفي، ثم إن الهيئة تردد دائماً أنها مقبلة على عجز أو أنها لديها عجز، وكذلك بالنسبة لميزانية الدولة التي هي الأخرى تعاني من عجز كبير، وبالتالي فإن نظام المكافآت يسقط، ليس من باب عدم الأحقية فقط بل من باب ترشيد الإنفاق الذي يتم تطبيقه على وسائل الترفيه والترطيب كمكافآت المدير العام للهيئة وموظفيه.
إن نظام المكافآت ليس عادلاً حتى بالنسبة للموظفين، وإن كان هناك رغبة من مجلس الإدارة في تحفيزهم، فهناك نظام وقانون يسمح للهيئة وكذلك لمؤسسات الدولة بإعادة النظر في جدول الرواتب، وبالتأكيد هناك موظفون مغبونون في الدرجة الوظيفية، خاصة على الدرجات الاعتيادية، وهم أحق بالنظر إليهم وتحسين أوضاعهم الوظيفية.
من المهم أن تنجح هذه المؤسسة، خاصة أنها تتعلق بها أفواه مواطنين أمضوا سنوات كد وكدح وينظرون إلى العيش في بحبوحة فيما تبقى من سنوات حياتهم، وكذلك أفواه أيتام وأرامل يعتمدون على المعاش التقاعدي اعتماداً كلياً، وهنا تكمن المشكلة بأن هؤلاء أولى بالمكافأة، وعلى المدير والمديرين الجهابذة بذل المزيد من الجهد كي تصبح أرباح الهيئة تفوق أرباح آبل وسابك وحتى يعيش الجميع من مديرين وعاملين ومواطنين في سبات ونبات عندما يعم الخير الجميع.