كان الناس في البحرين يصرفون ليلة الجمعة في العبادة والتقرب إلى الله سبحانه وتعالى بتلاوة القرآن في البيوت والمجالس، وكانوا ينشغلون في نهاره بالاستعداد لصلاة الجمعة والزيارات العائلية ويستغلون كل دقيقة منه في الاستغفار وفي كل عمل يرضي الله سبحانه وتعالى، فالجمعة يوم عيد ويعبر عنه أيضا بحج الفقراء.
اليوم انقسم الناس بشأن هذا اليوم إلى فريقين؛ فريق يقضي ليلة الجمعة في اختطاف الشوارع وإشعال النار في إطارات السيارات وفي تهيئة الفرص للدخول في مواجهات مع رجال الأمن ويقضي نهار الجمعة في تسيير المظاهرات والتسبب في أعمال الشغب والفوضى، وفريق يتأذى ويعاني من فعل الفريق الأول فيقضي ليلة الجمعة ويوم الجمعة بالشكل الذي لا يحسده عليهما أحد.
هكذا صار حال ليلة الجمعة، وهكذا صار حال يوم الجمعة، وهكذا هو اليوم حال الذين يقع عليهم ضرر فعل مجموعة لا يهمها إلا مصلحتها ولا تنظر إلا إلى ما يرضي أربابها في الداخل وفي الخارج. مجموعة صارت لا ترى الفرح إلا في فعلها القميء هذا الذي اعتبرته عبادة تتقرب بها إلى الله سبحانه وتعالى واعتبرت كل من لا يشاركها هذا الفعل خائناً ومقصراً في حق الوطن وفي حق الله جلت قدرته.
هذا لا يعني أن أيام الأسبوع الأخرى تخلو من هكذا ممارسات يعاني منها المواطنون والمقيمون، ولكنها تشتد في نهاية الأسبوع، حيث الواضح أن المخربين لديهم تعليمات بأن «يجتهدوا» أكثرفي ليلة الجمعة ويومها، ربما أملا في نيل المزيد من الحسنات!
ليس هذا بالطبع، فمن يعرف الله سبحانه ويعرف حقه لا يمكن أن يغفل عن حق الناس ولا يتسبب في أذاهم ويسلب الأمن والأمان منهم، الحاصل هو أن هؤلاء يعلمون أن ليلة الجمعة تمتلئ الشوارع بالسيارات بسبب الإجازة وبسبب توفر العديد من البرامج والفعاليات وكثرة السائحين، خصوصا من دول التعاون فينفذون تلك الأعمال الضارة ويعطلون الشوارع اعتقادا منهم بأن هذا سوف يحرج الحكومة وسيوصل في نفس الوقت رسالة المظلومية إلى المتعطلين في الشوارع، خصوصا أن فضائية «العالم» الإيرانية تبث أخبارهم أولاً بأول وتعطيها صفة «عاجل»، من دون أن ينتبهوا إلى أن من يتضرر من فعلهم هذا من الطبيعي أن يتخذ منهم موقفاً سالباً حتى لو كان من المتعاطفين مع «قضيتهم».
هذا فعل تلك المجموعة التي تطاولت على الناس ووصلت حد التطاول على ليلة الجمعة ويوم الجمعة، ولكن ما هو رد فعل «رجال الدين» الذين يعرفون تمام المعرفة حق ليلة الجمعة ويوم الجمعة ويعرفون حق الله فيهما؟ لماذا لا يكون لهم موقف واضح؟ لماذا لا يقومون بواجبهم لبيان مدى فداحة الممارسات التي تقوم بها تلك المجموعة؟ أليس سكوتهم مسيء للدين؟
المؤلم أن بعض «رجال الدين» يشاركون تلك المجموعة في ممارساتها، إما بالتحريض والتشجيع أو بالدعم بكل أشكاله وإن «من تحت لتحت» أو ربما بالمشاركة في تلك الممارسات، فليس مستبعداً أبداً أن يكون بعض أولئك الملثمين الذين يختطفون الشوارع ويتسببون في الفوضى وأعمال الشغب هم من «رجال الدين» الذين يفترض أن ينهوا عن هكذا أفعال وممارسات يؤكد الدين الإسلامي على أنها مرفوضة وآثمة على الأقل في ليلة الجمعة ويوم الجمعة!
ما تقوم به تلك المجموعة، التي ستصير بعد قليل بسبب استمرارها في التسبب في أذى الناس منبوذة، خطأ بل خطأ كبير، والواجب على كل من يفترض أن له دالة عليهم أن يتواصل معهم ويبين لهم حجم ذلك الخطأ ومدى مخالفته للشرع، كذلك على الجمعيات السياسية التي تبحث عن حل للمشكلة أن تقوم بواجبها أيضاً