لا يمكن أن ينتج العنف حلاً سياسياً في أي من دول العالم، فالعنف يظل عنفاً، والسياسة كما هو معروف ليس لها علاقة بالعنف، ولهذا من يريد أن يحقق إنجازات سياسية بوسائل عنيفة فهو واهم جداً، خصوصاً في ظل اعتراف المنظومة الدولية «كالأمم المتحدة» بالدولة، وفي تعريف معنى الدولة الحديثة كذلك.
إن العنف لا يولد سوى العنف، ولن تتحقق إرادة الشعوب وحتى الأنظمة حين تتخلى عن مفاتيح السياسة لتتجه للعنف والصدام، فكل حركات العنف لم تنتج دولة ولا حتى شعباً صالحاً، إلا في حالات قليلة جداً وفي ظروف استثنائية للغاية، ربما لا تتكرر في التاريخ الحديث.
ليس العنف وحده الذي لا يصنع حلاً سياسياً على مستوى الدولة، بل حتى الحروب النظامية لا يمكنها أن تنتج حلاً سياسياً في العالم، فعشرات الملايين من البشر الذين اختطفتهما الحربان الكونيتان لم يكونوا سوى وقود لعنف دولي صارخ، ولربما نجزم أن الحروب تؤزم الصراعات السياسية ولا تنتج لها حلاً على الإطلاق.
كل الدول العربية التي نشبت أظافر الربيع العربي في جسدها بعنف الحراك السياسي لم تفلح في تحقيق أهدافها أبداً ولن تفلح، لأن الأزمة السياسية يكون حلها بالطرق السياسية وبالتوافقات الوطنية، وبنظرة سريعة على الدول العربية التي اخترقها العنف من الداخل أو حتى من الخارج، فإنها لم تنجح في تحقيق مكسب واحد من مكاسبها وتطلعاتها.
لم ينجح مشروع «العنف» خلال مواسم الربيع العربي في كل من ليبيا واليمن وسوريا ومصر وتونس والعراق وبقية الدول العربية، بل كان للعنف ردود أفعال سلبية خطيرة للغاية على واقعنا العربي، ربما نحتاج لعشرات الأعوام لاستعادة عافيتنا العربية من وباء نتائج العنف الذي يتوهم بعضنا بأهميته في التغيير، بل نجزم أن كميات العنف التي حصلت في وطننا العربي أعادتنا إلى الوراء بطريقة مخيفة جداً، قد نفقد معها الأمل في أن نعود إلى سكتنا الأولى.
فقدنا الآلاف من الشباب العربي اليافع في معارك عنيفة لم نجن منها أدنى مكسب مفترض، إضافة لعشرات الآلاف من الجرحى، وضياع الكثير من الثروات، إضافة لخراب الدول العربية وضياعها دون أن تتحقق المكاسب السياسية المزعومة، سواء من طرف الأنظمة أو حتى الشعوب.
يجب ألا نكابر في رسم خطوط الحاضر لمعرفة ماهية المستقبل، ولهذا يجب أن نسمي الأشياء بمسمياتها، فالعنف سيظل عنفاً لا يجمل، وسيظل الطريق إلى أي مكسب سياسي هو عن طريق الحوار والتوافق الوطني بين كافة مكونات الشعب والقوى السياسية الأخرى إضافة إلى الحكم، فهذه سنة الحياة، وهي عمل من كان قبلنا من الناجحين من السياسيين، وليس من عمل المجانين بكل تأكيد. فلا للعنف ولا لكل طريق يؤدي إليه، حتى ولو كان يعتقد بعض الحالمين التعساء أنه الطريق إلى الجنة.