لماذا أسموه «معاشاً»؟!
الإجابة، بأن مقابل نظير عمل ما، ومنحه لمستحقه بهدف أن «يعتاش» من ورائه، لكننا فيما درج محلياً بتنا نتندر على الوصف، بحيث نقول إنه «معاش» لأنه «لا يعيش»، فمنذ نزوله يقصف ويتوزع بين قروض والتزامات مختلفة.
وبالتالي، حينما تتحدث عن «المعاش»، فإنك تدخل منطقة حساسة جداً بالنسبة إلى الناس، خاصة أن أحد مؤرقاتهم لسنوات كانت معنية به، وأحد أهم طموحاتهم التي يعتبرونها «ديناً» في رقبة النواب، أن يزيدوا هذا المعاش، عل وعسى «يعيش» إلى آخر الشهر.
بعيداً عن ذلك، نقول إنه إيجابي مناقشة السلطة التشريعية ممثلة بالشورى والنواب لموضوع تقاعد النواب وتحديد النسب، ووضع لوائح منظمة لنسب الصرف بحسب المدة التي يقضيها الوزير في الخدمة.
لكننا نقول في هذا الصدد، إن مثل هذه الأخبار بقدر ما هدفها يكون تنظيمياً بحتاً، إلا أن نشرها وتفصيلها بحسب الأرقام والنسب تتحول إلى مواضيع ساخنة ومثيرة بالنسبة إلى الناس، وتصل لدى البعض لتكون مصدراً للسخط، خاصة إذا دار الحديث حول سقف المبلغ ونسبة التقاعد وإقرانها بسنوات الخدمة.
طبيعي جداً أن تستاء شريحة كبيرة من المواطنين حينما يطلعون على رواتب كبار مسؤولي الدولة، ومبرر تماماً ذلك لأنهم يقارنون الأوضاع، ويرون أن الواجب بل الأولوية تتمثل في تحريك أوضاعهم وفي رفع رواتبهم، خاصة أن المبررات التي تساق للتصدي لأي مشروع في هذا الشأن تخلق نوعاً من الغضب، لاسيما مبرر عجز الميزانية والدين العام والعجز الإكتواري.
كرد فعل مواطن، يقول أحدهم معلقاً على الخبر المنشور بالأمس، ما معناه «أهذا وقت ينشرون فيه هذه الأخبار، وكأن السلطة التشريعية حريصة على تنظيم وضع الوزراء وتقاعدهم قبل أن تحرص على تحسين وضع الناس والعمل على رفع أجورهم؟!».
الناس يريدون رؤية الأولوية في العمل تصب في خانة تحسين أوضاعها وتعديل أمورها، يريدون أن يحسوا أنها بالفعل محور العمل، وأن الجهد منصب على ما يتعلق بهم لا بغيرهم.
هنا نعود إلى مسألة الأولويات، وضرورة أن يدرس أعضاء السلطة التشريعية في غرفتيها مزاج الشارع، وأن يحسبوا كل مشروع يتقدمون به، أو قانوناً يناقشونه، أو مرسوماً يقترحون تعديله، أن يحسبوا تأثير التوقيت، وتداعيات النشر والكشف عنه.
نعلم تماماً أن هناك أموراً تنظيمية لابد أن تتم، وأن هناك مراسيم لابد أن يصادق عليها، وأن هناك قوانين تسبق غيرها من ناحية الأولوية، وأن تعطيلها يؤثر سلبا على أمور أخرى، أو يؤسس أعرافا غير صحيحة، لكن في نفس الوقت لابد أن يوضع للمواطن اعتبار، وأن تحسب الأمور «صح»، بحيث لا يثار الغبار بصورة يصعب التعامل معها.
حينما يستاء الناس الآن لا تلوموهم، بل يجب أن تعرفوا لماذا يستاؤون، وفي الموضوع الذي نتحدث عنه، كان من الأنجع ألا يترك وضع الناس بمعزل، بل الحصافة أن يكون للناس وأوضاعهم وجود في الموضوع.
ما نعنيه بأنه مع التعاطي مع ضبط وضع الوزراء ورواتبهم وتقاعدهم، لو كان هناك ذكر لوضع الناس ومساعي تعديل أمورهم، وتوضيح مصير مشروع دمج مزايا هيئة التأمين والتقاعد (على سبيل المثال) وبيان نسب التقاعد والتحسين فيها، بحيث يحس المواطن أنه ليس بمعزل عن الحراك التشريعي، وأنه بالفعل أولوية.
ما هو الأهم هنا، راتب الوزير أم راتب المواطن؟!
هو سؤال قد يكون له جواب على أسس منطقية وواقعية، تبرر لأعضاء السلطة التشريعية حراكهم، لكن المهم هنا من سيقنع المواطن بذلك، من سيقول له إن هذه أولوية تسبق أولوياتك، وأن ضبط رواتب الوزراء وتقاعدهم يجب أن يأتي قبل ضبط رواتب وتقاعد الناس؟!
كل كلمة تقال قد تكون ذات تأثير أشنع من طلقة الرصاص، وكل تصريحات ترمى هكذا دون حساب قد يكون وقعها مريراً على المجتمع.
اعذرونا إن أثقلنا على من يعنيهم الأمر، لكن يهمنا شعور المواطن البسيط. وهنا لنختمها بأمنية، بأن يا ليت يكون حال المواطن نفس حال الوزير، يكمل سنة واحدة وله من تقاعده 80%!!
طبعا نتحدث هنا عن أمنية تحقيقها من سابع المستحيلات!
لكن النصيحة بأن خففوا من نشر الأخبار التي تثير امتعاض الناس، أو قوموا بها دون جلبة أقلها.