أعتقد أن الوقت قد حان لأمور ثلاثة؛ أولها اعتراف «المعارضة» بأن الحكومة نجحت نجاحاً لافتاً في تحجيمها وإقناع العالم بأنها ليست في مستوى الشعارات التي رفعتها، وأنها دون القدرة على التعبير بواقعية عن مشكلات المواطنين ومطالبهم، وثانيها اتخاذ «المعارضة» قراراً جريئاً بمراجعة موقفها والاعتراف بفشلها أو -تخفيفاً- الاعتراف بعدم نجاحها فيما أقدمت عليه وأدخلت بسببه البلاد في فوضى كبيرة تضرر منها الجميع، وثالثها بدء عقد ندوات شعبية موسعة للنظر في ما حدث ونقد «المعارضة» والحكومة معاً بغية التوصل إلى ما يسهل على الأطراف كافة العودة إلى الحوار الذي لا يوجد لمشكلتنا مخرجاً سواه، فمن دون الحوار لا يمكن الوصول إلى نهاية لكل هذا الذي يحدث، ومن دون الندوات الشعبية -التي تتيح للجميع من دون استثناء إبداء رأيه- لا يمكن الوصول إلى ما يعين الأطراف ذات العلاقة على العودة إلى طاولة الحوار من جديد.
إصرار «المعارضة» على عدم نجاح الحكومة في مسعاها يصعب عليها النظر بواقعية إلى الأمور ويعيقها عن اتخاذ القرارات الصحيحة، خصوصاً وأن الجميع يرى نجاحات الحكومة في مختلف المجالات، وإصرار «المعارضة» على عدم الاعتراف بفشلها يضر بها وبالحراك الذي تقوده، لأنها في هذه الحالة تدفع بمن يتبعها إلى المجهول، وإبقاء الحال على ما هو عليه ليس في صالح «المعارضة» مهما ادعت أن نفسها طويل، فكلما طالت المسألة كلما ضاق الناس بهما ذرعاً وتاقوا إلى العودة إلى كيف كانوا يعيشون.
التوقف للمراجعة ليس عيباً، واتخاذ قرار بوقف الممارسات غير المفيدة والتي لا يتضرر منها سوى الناس لا يقلل من شأن «المعارضة»؛ بل على العكس يعلي من شأنها ويظهرها بمظهر العاقل الذي يسعى إلى الإصلاح لا إلى الخراب.
اليوم لم يعد أمام هذه «المعارضة» سوى أحد طريقين؛ إما أن تواصل مشوارها وهي تعرف أنها ستصل في النهاية إلى طريق غير نافذ، أو تتوقف لتقويم الأمور ومعرفة الأرضية التي تقف عليها. إن اختارت الطريق الأول خسرت لأن الخسارة فيه أكيدة، وإن اختارت الطريق الآخر نجحت أو على الأقل حققت شيئاً من النجاح، ففي هذه المرحلة وهذه الظروف يعتبر تقليل الخسائر نجاحاً ومكسباً مهماً.
واقع الحال يقول إن المرحلة المقبلة بالنسبة «للمعارضة» ستكون مليئة بالخسائر، والأفضل لها -لو كانت تسعى إلى مصلحة المواطنين- أن تراجع نفسها وتنظر إلى الأمور بواقعية وبعيداً عن العواطف فتغير من استراتيجيتها وتعدل أهدافها وتقرر أن تكون واضحة مع نفسها قبل أن تكون كذلك مع الحكومة ومع الآخرين.
خسارة «المعارضة» في هذه المرحلة لا تعني خسارة المعركة وإنما خسارة إحدى جولاتها، وهذه النتيجة يفترض أنها كانت متوقعة لأن ما يتوفر لدى الحكومة من أدوات غير متوفر لدى «المعارضة» ولأن الدول مصالح، فلا يمكن لدولة -أياً كان مقدار تعاطفها مع ما تطرحه «المعارضة»- أن تفرط في مصالحها ومصالح شعوبها.
استمرار «المعارضة» في موقفها المكابر وتهربها من الاعتراف بعدم نجاحها في هذه الجولة سيؤدي بالأبرياء إلى التهلكة وسيزيد من الشرخ المجتمعي الذي تسببت فيه، بينما اعترافها واتخاذها قراراً بالتوقف للمراجعة وتقييم الأمور سيعينها على تحديد الخطوة التالية وإفساح المجال لمختلف الشرائح كي تشارك في حل المشكلة، وفي هذا نجاح طيب يدون في سجلها.
ربما لا يستدعي الأمر انتظار هذه «المعارضة» لتتخذ مثل هذا القرار الذي يتطلب جرأة قد لا تمتلكها، وربما كان الأفضل المبادرة بعقد الندوات الشعبية في المجالس والأندية، وحتى في الساحات العامة، لمناقشة ما صرنا فيه واقتراح المخارج لهذه المشكلة التي آن لنا أن نشهد نهايتها.