قلنا مطلع العام بأن المؤشرات تشير إلى أننا سنشهد «تقشفاً» معلناً صريحاً للدولة، خاصة في ظل انخفاض سعر النفط، بالتالي اللجوء للبدائل أمر حتمي ولابد منه.
في مقال للأستاذ القدير علي صالح نشر أمس في الصفحات الاقتصادية لـ«الوطن»، بين أن هناك بعض الرسوم التي تم فرضها على فترات متقطعة من شأنها إيجاد نوع من الدخل الإضافي للدولة، منها على سبيل المثال زيادة سعر المحروقات على الشركات، إضافة لزيادة الرسوم الصحية على الأجانب، مع ضم قانون المرور وزيادة الجزاءات المالية إلى ذلك.
في جهة أخرى أعلنت الحكومة بصراحة يوم أمس الأول عن توجيه رئاسة الوزراء لوزراء الدولة بتخفيض نسب الموازنات الخاصة بها عن العام الماضي، وأشارت التقديرات إلى أن  التخفيض تصل نسبته إلى 15%، وبحسب رصدنا لبعض القطاعات فإن رسائل وجهت لهم بالفعل من قبل وزارة المالية تفيد بهذا الشأن وتطلب منهم تقليص المصروفات بالنسبة المذكورة.
الحكومة في برنامج عملها أشارت إلى تحد يواجهها يتمثل في مساعي تقليل الدين العام، وهي مسألة معقدة وفيها من الصعوبة الشيء الكثير، ولأجل تحقيقها فإنه يتوجب على الدولة أن تقلص ميزانيتها تدريجياً بالتزامن مع زيادة الإيرادات وتنويع مصادر الدخل، وإن نجحت هذه العملية فإن السقف الزمني لها يصل بالراحة إلى قرابة 20 عاماً من الآن.
هو وضع صعب بالفعل، لكنه يستوجب التحريك وإيجاد حلول له، وهنا تقفز فجأة فكرة إلى ذهني بشأن مبلغ الدعم الخليجي «المارشال» البالغ عشرة مليارات دولار وما إذا كان تخصيصه بالكامل لتقليل الدين العام، وجدوى القيام بذلك. إذ مبلغ الدعم يسد نصف الدين العام الذي يقدر بأنه سيصل نهاية العام إلى سبعة مليارات دينار.
خفض النفقات خطوة قد تكون لها تداعيات على بعض القطاعات، بعضها قد يتأثر سلبياً مثل قطاع التعليم كما أشار الأستاذ علي صالح، لكن في المقابل هي عملية مطلوبة في بعض القطاعات خاصة تلك التي اشتهرت بصرف مبالغ كبيرة على مشاريع لا تمثل أولويات بالنسبة للناس، مشاريع تصنف على أنها «ترف» بحت، أيضاً يضاف إليهم وزارات وقطاعات كانت تعيد ملايين عديدة من موازناتها لأنها لم تستخدمها ولم توظفها في أوجه الصرف التي حددتها حين طلبت المبالغ، وهذا ما كان بعض الوزراء يظنه «شطارة» أو «فهلوة» وأنه يوفر على الدولة، في حين أن الحقيقة تتمثل بأنها نتاج عن سوء تخطيط وضعف تدبير بحيث يكون الطلب أكثر بكثير عن حجم الاستخدام.
في مسألة خفض المصاريف هذه، نتمنى أن تكون الإجراءات مؤثرة بحيث يتم تحسين الأداء المالي لبعض القطاعات، وبحيث يتبين لنا أهمية التخطيط الصحيح المبني على أسس سليمة، ما يعني توظيف وصرف كل فلس في مكانه الصحيح، وهنا نهيب بالحكومة أن تراقب كثيراً من سفرات وزرائها ومسؤوليها وأن تصنفها بحسب الأهمية والحتمية، إذ ربما «ونقول ربما» بعض السفرات غير ذات أولوية أو المشاركة فيها ليست سوى صرف مبالغ على تذاكر عالية الثمن وسكن فخم وفي النهاية هي سياحة، وذلك سيدخل في إطار «الهدر المالي»، وهنا قد نخالف التوصيف الذي ذكره الوزير الفاضل محمد المطوع بشأن «الهدر المالي» وأن ما نقصده مرتبط بإجراءات إدارية غير سليمة، إذ الاختلاف هنا بأن هذه الإجراءات غير الصحيحة يضاف إليها التخطيط غير المدروس هي أمور تسبب «الهدر المالي» أو وضع الأموال في مكان غير صحيح، وعليه فإن كلمة «الهدر» سليمة هنا، فهي النتيجة الحتمية لهذا النوع من الإجراءات.
أن يتم ضبط مصروفات وزارات معينة اشتهرت في «تقارير ديوان الرقابة المالية» بأنها وزارات «حارقة لأموال الدولة» أو «مبعثرة لها» أو «صرافة» لأموال على مشاريع غير ذات أولوية، هي مسألة إيجابية، لكن التعويل هنا على المحاسبة الصارمة لمن يخالف، والمتابعة الدائمة لآليات العمل وضبط المصروفات بحسب بنود الموازنات.
أخيرا، نتمنى بألا يكون لهذه الخطوة تأثير سلبي ولو ضئيل على المواطن، لا في ما يمسه مباشرة على صعيد الرواتب والحوافز والترقيات والتطوير العلمي والتدريب المستمر، ولا ما يتعلق بالخدمات المقدمة إليه ومستوى جودتها.
نأمل أن تتحسن هذه الأوضاع الاقتصادية خاصة في ظل هذه الظروف الصعبة، رغم الإدراك بأن مواجهتها أمر بالغ الصعوبة.