بعد موت «الوفاق» السريري كما كان متوقعاً لنهاية أي اعوجاج أو نبت في غير موضعه نهاية طبيعية تتفق مع نشأتها المعوجة ومسيرتها الأكثر اعوجاجاً، نرى محاولات وجهداً مبذولاً وملحوظاً واسمحوا لي ومضحكة كذلك من بعض الجهات الرسمية أو شبه الرسمية لتلميع أو تقريب أو مساعدة أجنحة وفاقية دينية وإعلامية يعتقد أنها تتسم بالاعتدال لتقريبها وإبرازها ورعاية أنشطتها وكأن هذه المهمة هي من مهام «الدولة».
عدا أن هذه المحاولات لها كلفة مالية كبيرة، وكلفة سياسية باهظة على أصحاب المحاولات، إلا أنها كلفة ستضيع وستذهب سدى لأنها تشتري الولاءات بلا ضمان من الوكالة وهي سياسة أثبتت فشلها في كل العصور والمراحل.
حتى حين تريد الدولة أن تخاطب الناس فالدولة لا تملك حتى وسائل إعلام تخاطبهم من خلالها فتلفزيونها انصرف الناس عنه لابتعاد مؤسسات الدولة عنه واستخدامه للترويج لفعالياتهم للرد على استفسارات الناس وتساؤلاتهم، لذلك ازدهر سوق الوسطاء و«الدلالوة» وبدلاً من كسر الاحتكار وفتح السوق والاتجاه مباشرة إلى الناس خاصة بعد أن حدث هذا الفراغ الآن، نرى الدولة هي التي تقيد نفسها مرة أخرى من جديد وكلما مات وسيط بحثت عن بديل له.. ألم نتعظ؟
البديل الذي يجب أن تطبق الدولة القانون بلا استثناءات وبلا تهاون من أجل شراء الولاءات، البديل أن تبذل الدولة جهداً على إنهاء زمن الزعامات الفردية دينية كانت أو سياسية أو إعلامية، رجاء فكروا خارج الصندوق، الفرصة أكثر من مناسبة وربما لن تتكرر، هناك فراغ الآن ادخل بقوة من خلال تطبيق القانون من جهة ومن خلال إدخال أفرع للمؤسسات الرسمية لداخل القرى لا أن نخلق زعامات جديدة أو نحيي العظام وهي رميم، ادخل من خلال المؤسسات الرسمية إلى عقر دارهم، مؤسسات ذات برامج اقتصادية وبرامج اجتماعية ثقافية وترفيهية ورياضية تفتح الدولة لها فروعاً في القرى تزيح الوسطاء منها وتعرض المساعدات للفئات مباشرة وجهاً لوجه فرداً فرداً، من يتجاوز القانون يطبق عليه بلا تهاون، ومن يبحث عن مساعدة تمد له يد العون، البحرين على صغرها إلا أنها كانتونات منفصلة ومعزولة والدولة انتهجت سياسة قديمة نجحت في القرن الماضي أن تتصل بالناس دوماً عن طريق «أعيان» أو وسطاء، واليوم نجني ثمار هذه السياسة الباهظة الثمن والفاشلة في نتائجها.
هناك فئات تبحث لها عن مساعدة فلا تجد غير عمامة أو سياسي أو إعلامي ينوب عنها للاتصال بالدولة، «لوفورية» الجماعات المتطرفة كانت تطرد أي مؤسسة مدنية تفتح لها أفرعاً داخل القرى، وللأسف كانت محاولات الدولة تقف هنا وترضخ، هنا على الدولة أن تبذل جهدها وتصرف أموالها عند جميع الشباب السني والشيعي، لا أن تعيد ارتكاب ذات الأخطاء المرة تلو الأخرى، لا أن تخلق لهم زعامات دينية وسياسية جديدة تصفق «لاعتدالها» حتى إذا ما استوت ونضجت انقلبت عليها، ألم تتعظوا؟
افتح التلفزيون لمخاطبة الناس ببرنامج يومي لا يكرر تجربة صباح الخير يا بحرين المخصص لاستلام الشكاوى الفردية، فذلك خط وهو ناجح، إنما الذي نقصده خط مختلف تماماً، الذي نقصده برنامج يومي تلفزيوني تخاطب الدولة الناس من خلاله تتحدث عن مشاريعها برامجها ترد على ما ينشر من أخبار وتعلق عليها تساعدهم على الوصول إلى الجهات الصحيحة، عندها برنامج يحلل يناقش يحاور حول الحراك اليومي للناس والدولة يلجأ له الناس لمعرفة سياسة الدولة، القصد ابحث عن بدائل أخرى لتصل الدولة فيها للناس دون «دلالوة» دون «خطابة»، أتحدى كاميرات التلفزيون أن تدخل القرى وتخاطب الناس مباشرة، هناك مدن رعب داخل القرى لا يأمن فيها الناس على أنفسهم إن هم اتصلوا بالدولة عن طريق أي من مؤسساتها أو حتى عن طريق كاميراتها، هنا يجب على الدولة أن تبذل جهدها.
أما إن كان القصد من تلك المحاولات المفضوحة هو تشجيع قيام «معارضة» معتدلة فاترك هذه المسألة للناس، اترك سوق «الدلالوة» للعرض والطلب ووحده سيفرز من يريد، اترك حينها الخيار للناس بعد أن تعزز أنت خطوط اتصالك بهم حينها أي معارضة ستخلق مجبرة أن تنهج خط الاعتدال لا بسبب طيبة قلبها وضحكة سنها، إنما بسبب أن مساحة الفراغ بين الناس وبين الدولة صغيرة لا تسمح بتطرف ولا تسمح بتشنج.
ملاحظة خارج السياق
ورد خطأ في مقال أمس حول الجهة المنظمة للمؤتمر الدولي الذي سينعقد في البحرين الصحيح هو «النادي العالمي لصاحبات الأعمال والمهن البحريني» وليست جمعية سيدات الأعمال، أعتذر لهذا اللبس.