تشير العديد من الوقائع إلى أن المملكة العربية السعودية تتحضر لدور إقليمي طبيعي أكثر فاعلية، وبشكل مختلف عما كانت عليه خلال السنوات الماضية، خاصة في ظل التطورات الإقليمية الراهنة التي تستدعي تأكيد دورها الموحد للعالم السني.
تُشكل المملكة العربية السعودية وجوداً خاصاً في وجدان العالم العربي والإسلامي، من باب الوجود المقدس للحرمين الشريفين، والمكانة المميزة لزعماء السعودية لدى الشعوب العربية والإسلامية وقياداتها، في إطار مواقفها الداعمة، والتي لا تنسى، إضافة إلى أنها ومنذ الإطاحة بحكم «الأخوان المسلمين» في مصر أصبح لها دور مرجعي آخر تسنده سياساتها الخارجية القائمة على التوازن.
هذه المكانة المميزة وتحديات السياسة الإيرانية القائمة على التدخل في الشؤون الداخلية لدول المنطقة، وقرب إبرام اتفاق نووي بين إيران والغرب، ومقتضيات الصراع الإقليمي، والتهديدات الأمنية التي يفرضها تنظيم «داعش» على المنطقة، ومآلات الأوضاع في اليمن، تتطلب من الرياض أن تشرع في ترتيبات إقليمية جديدة، تقوم على الاستفادة من هذه المكانة، والتقدير الذي تكنه القيادات العربية لزعماء السعودية.
وتشهد الرياض نشاطاً سياسياً محموماً من انعقاد المؤتمر العالمي «الإسلام ومحاربة الإرهـاب» يوم الأحد 22 فبراير الماضي في مكة المكرمة، وزيارة رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس إلى السعودية يوم الاثنين 23 فبراير، إلى محادثات الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مع العاهل السعودي يوم الأحد 1 مارس إلى القمة السعودية التركية يوم الاثنين 2 مارس، التي جمعت خادم الحرمين الشريفين العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، واجتماع خادم الحرمين الشريفين يوم الأربعاء 4 مارس مع رئيس الوزراء الباكستاني محمد نواز شريف، إلى لقاء وزير الخارجية الأمريكية جون كيري مع وزراء خارجية دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية يوم الخميس 5 مارس، إضافة إلى زيارات الزعماء الخليجيين للعاهل السعودي خلال الفترة السابقة، وزيارات مرتقبة لزعماء آخرين خلال الفترة المقبلة.
الأمر الذي دفع العديد من المراقبين إلى تحليل الأمر بوجود مبادرة إقليمية جديدة يجري الإعداد لها على قدم وساق، في سبيل توفير مرجعية وقرار عربي موحد، من أجل التصدي للنفوذ الإيراني بالمنطقة.
بالتأكيد ستنجح الرياض في هذه المساعي، في ظل تخوفات القادة في الشرق الأوسط من تمدد تنظيم «داعش»، الذي بات يهدد العديد من دول المنطقة، مع عدم الاستعداد له، خاصة في ليبيا ومصر، اللتين لاتزال الأوضاع فيهما تحتاج إلى ترتيبات من أجل الاستقرار الأمني.
وهذا الدور منتظر من المملكة العربية السعودية منذ سنوات، بأن تؤسس محوراً إقليمياً، يجمع العالمين العربي والإسلامي، يرسم سياسة واضحة للمنطقة في مواجهة التهديدات الإرهابية، والتدخلات في شؤون الدول، ويقوي هذه الدول في مواجهة المعايير المزدوجة لدى الغرب نحو العالم الإسلامي.