لعلك لاحظت كيف انتفضت وسائل التواصل الاجتماعي غضباً وكمداً على الـ400 مليون دينار التي تحدث عنها النائب محمد الأحمد، وإذا فاتتك قراءة الخبر عزيزي القارئ الكريم، فأدعوك اليوم لقراءته حتى نقف على حقيقة ما قاله الأحمد، ليس دفاعاً عن الحكومة -حاشا لله- ولكن لنتبين أي نوع من الحجر الذي ألقى به في الماء الراكد، وتسبب بكل هذا الضجيج.يقول الخبر والذي نشر في معظم الصحف «كشف النائب محمد الأحمد، عن قيمة المبالغ المهدرة في تقرير ديوان الرقابة المالية والإدارية للعامين 2013-2014، مؤكداً أنها تصل إلى 400 مليون دينار، ونوه في الوقت ذاته إلى وجود العديد من التوصيات المهمة التي سيتناولها مجلس النواب أثناء مناقشة التقرير، أبرزها إحالة المخالفات الجنائية إلى النيابة العامة ليأخذ كل من قام بإهدار المال العام جزاءه، موضحاً أن هناك توصية باستجواب بعض الوزراء عن مخالفات حدثت في وزارتهم (...)، وأكد الأحمد في بيانه الصحافي «7 مارس 2015»، أن مجلس النواب أمام تحدٍّ كبير في مواجهة هذا التقرير الذي بين استمرار التجاوزات في الأجهزة الحكومية وبعض الشركات الأخرى، الأمر الذي يستدعي الوقوف بشكل قوي للتصدي لهذه الممارسات المستمرة منذ صدور تقرير الديوان.. ولفت إلى أن هذه الأموال المهدرة كان بالإمكان أن تحقق الشيء الكثير للمواطن، في الوقت الذي تتعذر فيه الحكومة بعدم وجود التدفقات المالية لتحقيق بعض متطلبات تحسين الوضع المعيشي للمواطنين».كما تعلم يا سيدي القارئ الكريم، هدر يعني وجود فساد، وهناك دائماً شعرة تفصل بينهم، والكلام سهل، ولكن أين الدليل؟يبدو لي أن كلمة الفساد في مجتمعنا أصبحت نظرية، تماماً كنظرية المؤامرة، الكل يتحدث عنها ولكن دون دليل يساعد على محاسبة المفسدين، أحياناً أظن أن من يبالغون في الحديث عن الفساد لا يفعلون ذلك عن إيمان مطلق بوجوب محاربة الفساد، وإنما لكي نكتشف في النهاية عدم وجود دليل واحد على الفساد، وبالتالي ينتفي وجود فساد وكأننا بذلك نقدم خدمة للفاسدين.أعلم أن كثيرين ومن بعد قراءة مقالي سيعتقدون بأني أنفي وجود الفساد أو أدافع عن المفسدين، معاذ الله، وهذا ما لا أقصده تماماً، بل مازلت على رأيي وقناعاتي بأن المفسد كالخائن كليهما يشكل ضرراً فادحاً على الوطن. لكن ما أردت معرفته هو الطريقة التي استدل بها النائب والصديق العزيز محمد الأحمد على أن هناك هدراً في المال العام بلغ 400 مليون دينار؟ النائب الأحمد أطلق بياناً فأحدث ضجة وزوبعة في الشارع، ولم يوضح لنا الطريقة التي احتسب بها الـ400 مليون دينار، خصوصاً وأن تقرير الرقابة المالية في مجمله لا يحوي أرقاماً بل ملاحظات وتوصيات!!لن أستعين بفلاسفة الوضعية المنطقية أو البراغماتية حتى أستدل على الطريقة التي احتسب فيها النائب الأحمد وجود هدر بلغ الـ400 مليون دينار، لكن سأطرح عليه عدة أسئلة، وليسمح لي؛ إذا كانت الميزانية العامة للسنتين الماليتين 2013-2014 تبلغ تقريباً الـ1.8 مليار دينار، فهل يعقل أن يبلغ مقدار الهدر فيها الـ400 مليون دينار، أي ما يوازي الـ25% من حجمها؟ وكيف تم هذا الهدر، وأين، ومتى؟هل من المعقول هدر 400 مليون دينار، أي ربع الميزانية العامة في سنة واحدة فقط «تقرير الرقابة المالية يختص بسنة 2014»؟في الغالب يتم مثل هذا الهدر الضخم في دول تقدر ميزانيتها بعشرات المليارات، وليس دولة ميزانيتها أقل من مليارين، وفي جهات حكومية مشاريعها عملاقة تقدر بمئات الملايين، وليس كالبحرين، أكبر وزارة فيها ميزانية مشاريعها تبلغ الـ120 مليون دينار.كنت أتمنى على الصديق العزيز النائب محمد الأحمد ألا يتكلم في الأرقام ويكتفي بالحديث في الملاحظات، قبل أن يتحقق من الأمور لأننا في مجتمع «يبي إشارة.. واحنه مو ناقصين» بمجرد ما يسمع كلمة فساد تصيبه حالة تلبك معوي، ويبدأ بالصراخ والعويل وضرب الجرس.. فساد.. فساد.. فساد.. مجتمع يشقي نفسه، يظن بالصراخ سينتصر على الفساد، فيما الحقيقة هو يساعد المفسدين على الهرب.
{{ article.visit_count }}
970x90
{{ article.article_title }}
970x90