قد يستغرب البعض هذا القول، إذ كيف تكون المشكلة «نعمة»؟! فهي من اسمها تعني وجود مشكلة، أو مأزق، أو كارثة، أو مصيبة، أو فشل إلى غيرها من المرادفات.
المشكلة تعني وجود أمور سيئة تحصل، وأن الوضع الطبيعي يجب أن يكون دون وجود أثر لها، وتزايد المشاكل يعني تزايد الأخطاء، وأن ممارسات غير صحيحة تسود وتحل محل الأمور الصحيحة المفترض أن تتم.
ومع ذلك نقول إن وجود المشاكل «نعمة»!
الحياة بأسرها عبارة عن تراكم خبرات، والخبرات التي تنتهي بأمور إيجابية أو إنجازات لا بد وأن تكون قد صادفتها معوقات ومعضلات أو مشاكل، والخبرة الطيبة التي بموجبها يتحقق أي إنجاز أو نجاح هي تلك التي تأتي وتقوم على أنقاض مشكلة، هي التي تأتي بناءً على وضع حلول للمشكلة.
لا وجود لمدينة فاضلة في عالمنا، لكن بيدنا أن نجعل مجتمعنا يسير باتجاه تحقيق الفضيلة ولو بشكل تدريجي أو نسبي، وأي مجتمع من الاستحالة أن يخلو من مشكلات، لكن الذكاء والنجاعة والوصول للإنجاز لا يتحقق إلا بوجود المشكلات والصعاب.
توماس ألفا أديسون كانت لديه مشكلة تتمثل بأن العالم يسوده الظلام بعد مغيب الشمس، فقام بألف محاولة فاشلة كل واحدة منها صادفته مشكلة فيها، لكنه في النهاية تغلب على المشكلة واخترع المصباح الكهربائي الذي أنار العالم.
حينما توجد مشاكل في أي مجتمع، لا يعني أن هذا المجتمع فاشل، بل تحديد الفشل وحجمه ونوعه يكون بالنظر لطريقة التعامل مع المشكلة، فإن اجتهد المجتمع في ممارساته ودراسته للمشكلة وعمل على تلافيها مستقبلاً، واهتم بالاستفادة منها عبر الاستفادة من دروسها وعبرها بحيث يضمن عدم تكرارها، وأن يجعلها تنتهي الى ما لا نهاية، حينها يكون هذا المجتمع قد تعامل مع المشكلة بشكل صحيح ومثالي وحولها إلى نعمة تدوم له ولأجياله القادمة إن ساروا على نفس النهج، بما لا يسمح لنفس المشكلة أن تتكرر وتعود لتظهر.
المجتمعات المتقدمة والمتطورة هي تلك التي تعاملت مع مشاكلها بهذه الطريقة، هي تلك التي حولت مشاكلها إلى «نعم»، بالتالي لا يضيع وقتها وجهدها وحتى مالها في التعامل مع مشاكل تتكرر وتظهر بأسلوب مستنسخ بين الفينة والأخرى.
وعليه إن وجدت المشاكل فلا ينبغي الاستياء من ذلك، بل الاستياء مباح ومبرر بل مطلوب إن لم نتعلم من هذه المشكلة وواجهناها بأسلوب معالجة حصيف حتى لا تتكرر.
هل مرت عليكم مقولة «الفشل قد يكون سبباً من أسباب النجاح»؟! هذه المعادلة التي تبني عليها المجتمعات الذكية والعملية حراكها وعملها، ووفق هذا المنطق تحققت كثير من النجاحات والإنجازات على مر التاريخ، وكثير من قصصها خالدة وباتت مادة تدرس في مجال التخطيط الاستراتيجي وحل المشكلات.
الآن لنسأل أنفسنا، كم عدد المشكلات لدينا؟! وكم منها يتكرر ويعاود الظهور وإن وجدت له معالجات ترقيعية ووقتية؟!
لماذا لا نحاول تحويل هذه المشكلات إلى «نعم»؟! لماذا لا نمتلك الجدية والعزيمة والإصرار لنحول الفشل إلى سبب من أسباب النجاح؟!