تخيلوا المشهد: ميليشيات سنية تدعمها الحكومة العراقية والولايات المتحدة ودول الخليج العربية، تحارب إرهاب الجماعات الشيعية، ماذا ستكون النتيجة؟ بالتأكيد لن نحتاج لبراعة لاكتشاف النهاية المأساوية، ستكون كارثية بلا شك؛ سنرى مجازر وانفلاتاً أمنياً وتصفيات جماعية وطائفية تستعر. هذا بالضبط ما يحدث في العراق حالياً، لكن مع تغيير اللاعبين. ميليشيات شيعية، أو ما يسمى بالحشد الشعبي، تمدها حكومة بلادها بالسلاح والعتاد، وتدعمها الولايات المتحدة، وطبعاً إيران التي تفاخر بأن بغداد أضحت عاصمة لإمبراطوريتها، هذه الميليشيا تحارب إرهاب «داعش» في المناطق السنية العراقية. هل نتخيل هذه الميليشيا إلا وتقوم بأعمال مروعة لمن ستزعم أنهم من الإرهابيين؟ كيف يمكن للميليشيا أن تتصرف بمفهوم الجيش النظامي، بينما أيديولوجيتها مع الطائفة وليس الدولة؟ في النهاية ستكون الغلبة للطائفة وليس للدولة.
الطائفية البغيضة في منطقتنا لم تكن يوما في أوجها كما هي الآن. إذا أرسلنا ميليشيا سنية لـ«محاربة» إرهاب الجماعات الشيعية المتطرفة ستكون النتيجة ذاتها إذا أرسلنا ميليشيا شيعية لـ«محاربة» إرهاب الجماعات السنية المتطرفة. أما أن تتخلى الدولة عن دورها وتنيب بدلاً منها الميليشيات التي دائماً لا تعرف لغة القانون، فلن تترك إلا خراباً ولن تخلف إلا دماراً، وحزب الله في سوريا خير شاهد. فكرة الميليشيات في أساسها، مهما تجملت ووصفت بعبارات شعبوية، فكرة تنم عن ضعف الدول، فإذا سلحت وتحالفت مع جهات رسمية أصبحت خطراً عظيماً، فإن صار تكوينها من طائفة بعينها، وكان عدوها اللدود طائفة أخرى، تحولت إلى دولة داخل الدولة، بل تفوقها قوة وشعبية، فهل نستغرب إن شهدنا عمليات انتقام جماعية لأبرياء بزعم أنهم إرهابيون، أو على الأقل متعاونون معهم، وهو نفس ما يفعله «داعش» حالياً مع كل من لا ينتمي إليها.
لم يكن موفقاً الزعيم الشيعي مقتدى الصدر وهو يرمي مزيداً من الحطب على النار المشتعلة ويتهم أهالي الموصل، ذات الأغلبية السنية، بالتراخي في محاربة «داعش»، ولم يكتفِ الصدر بذلك، بل دعا ميليشيا «سرايا السلام» التابعة له، لأن تكون على أهبة الاستعداد للمشاركة في عملية تحرير الموصل. نحن هنا أمام عملية تحريض كبرى ضد أبناء الموصل بأنهم متواطئون مع الجماعات الإرهابية، وحشد الميليشيا الشيعية لأن تكون هي البطل الذي سيحررهم من بطش الإرهاب. يقول نائب رئيس الوزراء العراقي أسامة النجيفي في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك 50 ألف ضابط من أهالي الموصل على أهبة الاستعداد للمشاركة في معركة تحرير الموصل، لكن لا توجد أسلحة يقاتلون بها».
تصوروا دولة يغيب جيشها عن المشهد بالكامل، ثم تجد الحل بتسليح طرف ضد طرف وتطلق له عنان القتال، فيما قاسم سليماني قائد الحرس الثوري الإيراني، يتباهى بأن جنوده رأس الحربة في محاربة الجماعات الإرهابية.
بعيد الغزو الأمريكي للعراق وما شهدته الساحة من فراغ للدولة وبداية تغلغل لإيران، ارتفعت الأصوات بضرورة تدخل السعودية لحماية السنة من الانفلات الأمني آنذاك، إلا أن الرياض استمرت في لعب دورها المعتاد لجمع كلمة العراقيين تحت مظلة الدولة لا الطائفة. الآن تقوم طهران، برعاية أميركية وموافقة رسمية عراقية، باستغلال المرحلة التي نتجت من إرهاب «داعش»، لترسل جنودها والميليشيات المحسوبة عليها لـ«تطهير» المناطق السنية من الإرهاب السني، بأيدي من؟ بأيدي ميليشيا شيعية!
عانى السنة في العراق طويلا من صدام حسين المحسوب ظلما عليهم، ثم عانوا من الجماعات الإرهابية التي تقاتل باسمهم، بينما هي تسيء إليهم، وها هم يعانون أيضا من منعهم من المشاركة في تحرير مدينتهم، ووصمهم بـ«الدواعش»، في حين أن الميليشيا الطائفية تراقبهم وتنتظر لحظة الانقضاض عليهم.
سيكون الجميع مشاركاً ومسؤولاً عن هذه الفتنة عندما تنتشر وتستعر. إذا تركت الساحة للميليشيات الطائفية، فقل على العراق وأهله السلام. عندما تحضر الفتنة لا يكون فيها منتصر، بل الكل خاسرون، فأي فتنة طائفية مقبل عليها أيها العراق؟!
* نقلاً عن صحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية