من راقب الفضائية المصرية CBC، يجدها ركزت على وصول جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة لمدة لا تقل عن ساعة، وكررت صور الوصول عدة مرات، وكأنه الوحيد الذي وصل شرم الشيخ. وأيضاً الوضوح والمصداقية في الكلمة التي ألقاها جلالته في المؤتمر.
تحليل المضمون لهذا الحدث يظهر ثلاثة أمور، أولها أن جلالته كان من أوائل القادة الذين وصلوا، وثانيها أن تصريحات جلالته عند وصوله أثلجت قلب كل مصري، ليس فقط لمضمونها، حيث استذكر الدور المصري الرائد في دعم البحرين، كما أكد جلالته موقف مملكة البحرين بدعم مصر التي سبق ولاتزال تدعم البحرين في مجالات تنموية عديدة منذ عشرينات القرن الماضي، وتقدم نخبة من خيرة مثقفيها وعلمائها وخبرائها في مختلف المجالات، لكن الأهم أن هذه الكلمات من جلالته وقعت برداً وسلاماً على قلب كل مصري؛ لأنها نابعة من قلب صادق عامر بما يقول، وليس مجرد كلمات عامة وإنما هي كلمات نابعة من سويداء القلب.
وثالثها أنه قرن القول بالعمل؛ حيث رافق جلالته وفد اقتصادي يمثل قطاع الأعمال والقطاع الخاص والمؤسسات المالية والمصرفية؛ بهدف الالتقاء بنظرائهم في مصر وبحث سبل تقوية الاستثمار والاستفادة من المشاريع المتاحة في مجالات السياحة والصناعة والإنشاء تعزيزاً للعلاقات الاقتصادية والتجارية الوثيقة بين البلدين الشقيقين.
كمصري مقيم في البحرين شعرت بدفء حرارة هذا الشعب الطيب، وهي حرارة ودفء نابعة من عمق التاريخ؛ حيث حضارة دلمون وحضارة الإسلام وحضارة العروبة وأيضاً من الموقع الجيواستراتيجي للبحرين كجزيرة في وسط الخليج العربي حيث انفتاحها على العالم شرقه وغربه، وكخبير في الدراسات الصينية فقد أشرت في كلمتي في مؤتمر طريق الحرير البحري الذي عقد في فبراير الماضي في مدينة شيوانجو «الزيتون» كما أسماها ابن بطوطة، فالبحرين وعمان كانتا إحدى نقاط المرور للسفن العابرة القادمة من الصين للوصول إلى موانئ الدولة العباسية، وهكذا نقل طريق الحرير البحري الثقافة كما نقل التجارة بين الدولة العربية الإسلامية وبين الصين منذ القرن التاسع الميلادي.
ومن العوامل المهمة في هذا المجال هو طيبة ودفء حرارة قلوب البحرينيين من أعلى القيادة وحتى أصغر مواطن بحريني، وعلى اختلاف طوائفهم وأعراقهم، مما ترك أثره في التفاعل مع مختلف الشعوب والأعراق والعقائد التي وفد أهلها على البحرين عبر القرون؛ لذلك لا عجب أن أطلق عليها القدماء أنها أرض الخلود كما في أسطورة جلجامش.
أما قلوب المصريين فهي تنبض بالدفء المستمد من عمق واتجاهات حضارة الفراعنة التي تفاعلت مع عمق أفريقيا عبر نهر النيل، ومع غرب آسيا نتيجة هجرة الكثير من القبائل العربية إلى مصر حتى قبل الإسلام، فلما ظهر الإسلام وانتشر ودعا لمبادئ التسامح والاعتدال واحترام الآخر رحب به المصريون، وكانوا آنذاك من الأقباط المسيحيين، ولا عجب أن هذا التسامح المزدوج بين المسيحيين الأقباط والمسلمين العرب تجلى في أروع صورة في استمرار الأغلبية من سكان مصر على عقيدتهم المسيحية، رغم وجود حكم إسلامي كان يفهم معنى التسامح ومعنى الاعتدال ومعنى الحرية الدينية التي تحدث عنها القرآن.
ويمكن القول إن مصر والبحرين كقيادتين وكشعبين هما صنوان، بل هما وجهان لعملة واحدة لحمتها التسامح وسداها الاعتدال والعقلانية، وللأسف كلاهما موضع طمع وضغوط من قوى إقليمية ودولية، ولكن الله سبحانه وتعالى يحفظهما من كل سوء؛ وها هو ملك البحرين في مقدمة القادة الذين جاؤوا إلى شرم الشيخ معبراً بكل قوة وصراحة ووضوح عن حرصه على دعم مصر في أهم قضيتين هما «التنمية والأمن» ومصر بدورها تدعم البحرين في هاتين القضيتين عبر العصور.
فتحية لقائد مسيرة البحرين حمد بن عيسى آل خليفة وشعب البحرين، وتحية لقائد نهضة مصر المستقبل في هذه المرحلة عبدالفتاح السيسي الذي وضع روحه في يده لمساندة شعبه الذي كاد أن يتعرض لكارثة.
إن التحية والتقدير واجبان لمن لديه شجاعة الموقف وجرأة الإقدام والتفاعل مع الأشقاء بلا خوف ولا تردد، وهذا هو ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة نموذج صادق لذلك، كما هو عبدالفتاح السيسي في قوله المشهور «مسافة السكة إذا تعرض أمن الخليج للخطر»، نموذج آخر مقابل، كما إن النماذج متكررة من قادة كل من السعودية والإمارات والكويت والإردن على وجه الخصوص، وسلام على من أمن ببلاده ووطنه وعمل من أجل عروبته الأصيلة وإسلامه الحنيف السمح المعتدل.