هل هناك أحد يشرح لهذا الطفل ابن الـ17 الذي أطلق النار على رجال الأمن واختبأ في إحدى عمارات شارع المعارض أنه ليس رامبو وأنه لا يسير على طريق الأئمة وأن ما يفعله جريمة وليس لعباً وأنه سيدفع حياته ثمناً لتهوره؟
ضمن أحد تسجيلات الفيديو المسربة من سجن جو -وما أكثرها- فيديو لأحد الشباب ظهر فيه وهو متلثم ووجه نداء لرفاقه «اللوفر» الذين هم مازالوا خارج السجن قائلاً «إن الثورة قائمة الآن في السجون وأطالب الشباب النزول الآن الآن العصيان العصيان» هل هناك أحد يشرح لهذا الشاب الملثم ألا أحد استجاب لصراخه وأنه وحده من سينال العقوبة؟
حقيقة لا أدري إن كنت أشفق أم أغضب أم أضحك على هذا الشاب أو ذاك الذين يعيشون أحلام البطولات ويعيشون في عالم افتراضي يتوهمون فيه المعارك والفر والكر ويعيشون حالة هوليودية بحتة لا علاقة لها بالواقع.
هذا الشاب منته، منته كعقل كفكر كمنطق قبل أن ينتهي كسلوك منحرف، مسكين عاش سنوات طفولته وبضعاً من مراهقته داخل فقاعة غيبية معتقداً أن العالم الحقيقي يكمن داخل هذه الفقاعة التي أوهمته بأنه أحد جيوش الإمام، الكيبورد نافذته لهذا العالم الافتراضي يخاطب بقية أفراد «الجيش» عبر الكيبورد يحرص أن يضع صورته خالعاً قميصه مفتول العضلات يشمر عن ذراعه ويظهر صدره يغري به بنات القرية ربما، يخرج يحتك برجال الأمن قاذفاً مولوتوفاً أو زارعاً متفجرات درب عليها عن بعد ويعود يسرد بطولاته مصحوبة بصور الأئمة والشهداء والقديسين معتقداً أن البحرين بأسرها هائجة ومائجة معه، وأن العشرة والعشرين الذين يقص عليهم «بطولاته» آلاف مؤلفة ولو حصل له مكروه فسيقلبون الدنيا لأجله.
أأشفق أم أغضب أم أضحك على هذا الوعاء المسمى عقلاً؟ والسؤال ممن ملأ هذا الوعاء بهذه السطحية وبهذا الغباء، أو بالأصح من تركه فارغاً وكان مسؤولاً عن ملئه بما ينفع هذا الشاب؟ من صور له أن عمله الأخرق هو بطولات وهو طريق الأئمة وآل البيت؟
قبل عشر سنوات في 2004 كان هذا الشاب طفلاً يحرق الإطارات على مداخل قريته ثم بدأ بحرقها في الشارع العام في عام 2008، ما يملؤني قهراً أن سياسيي وحقوقيي تلك المرحلة رفضوا إدانة هذا السلوك وسموه حينها «بالعنف السلمي المشروع» والعبارة ليست من اختراعي بل قالها فعلاً في مقابلة تلفزيونية سياسيون وحقوقيون مخضرمون رفضوا إدانة حرق الإطارات وحرق حاويات القمامة، السياسي الآن رئيس جمعية والحقوقي يتولى منصباً في مؤسسة حقوقية ينعمون الآن في بيوتهم متدثرين بألحفتهم والطفل الذي قيل له إن الحرق فعل مشروع أصبح قاتلاً ومحكوماً عليه إما بالمؤبد أو بالإعدام ويصرخ من داخل السجن «العصيان العصيان» «عصيان مين يا عم» مسكين لا أستطيع أن أقول له أخرج وانظر بنفسك الدنيا تسير والناس في ركبها والحياة مستمرة ولا أحد يدري عنك، أأحكم عليه بالموت مرتين؟ أي وهم أي حلم أي سراب أي عالم افتراضي أي خيال فرض على هذا الجيل؟
هل نلوم والديه؟ هل كان بإمكان أسرته أن تخرج عن الطوق الثائر ضد «الطغيان» وضد دولة «الجور والظلم» والبقية الباقية من أدبيات هذا الحزب؟ حزب يطوقهم في المآتم وفي «الفريق» أي الحي له أعضاؤه في الأهل وفي الجيران وفي سماحة الشيخ فلان، أعرف أسرة متدينة من المحرق وتدير مأتماً معروفاً كانوا إلى عهد قريب مسالمين وديعين إلى أن سمعت أن أحد أبنائها أو أحفادها إن صح التعبير مات حاملاً المولوتوف في مصادمات مع الشرطة خرج أبوه يقول في فيديو مسجل له وهو منكسر: إن كان المهدي قد نادى ابني للجهاد فلا أستطيع أن أقول له لا!!! حين رأيت والد الطفل تساءلت من هذا؟ أعرف «م ح» الأب منذ كان طفلاً، كيف أهدى ابنه بلا ثمن لهذه الجماعة، كنا معاً نأكل مما يأكلون ونلبس مما يلبسون كيف فرقتنا الطرق؟ ما الذي حدث؟
ذهب قياديو الأحزاب والمتدينون المطيعون للمرجعيات الدينية الفارسية حينها لهذا الأب يهنئونه على شهادة ابنه الطفل ذي الـ17 وسجلوا له هذا المشهد ونشروه، من هنأه على شهادة ابنه يقف ربما يملأ استمارة لينال ابنه بعثات لولي العهد أو يقف الآخر منهم في طابور تسجيل ابنه في مدارس خاصة.