هنا عبارة جديرة بالملاحظة نشرتها أخيراً بعض المواقع التابعة لـ «المعارضة» التي اهتمت بتغطية ما يدور في اجتماعات جنيف، حيث كتبت «عبر مدير منظمة حوار الأديان الدولية تشارلز جريف عن امتعاضه عمّا يصله عن واقع الحريات وحقوق الإنسان في البحرين»، وأنه بناء على ذلك «دعا إلى إنهاء التمييز الذي تتعرض له الأكثرية في البحرين وأنه كان يأمل أن يحصل تغيير في الوضع الحقوقي في البحرين ونوع من التسوية ومناقشة المشاكل الجدية ولكن ذلك لم يحدث».
طبعاً من حق جريف وغير جريف أن يمتعض، ولكن من حق العالم كله أيضاً أن يمتعض عندما يعلم أن مسؤولاً في وزن جريف يعبر عن امتعاضه «عما يصله عن واقع الحريات وحقوق الإنسان في البحرين»، فهذه الجزئية يقابلها قول «نمى إلى علمنا»؛ أي أنه اعتمد في امتعاضه على ما وصله من معلومات من طرف واحد. هذا أمر غير مقبول من شخص عادي؛ فكيف يمكن قبوله من مثل هذه الشخصية الدولية ذات العلاقة بحقوق الإنسان؟ ترى أي موضوعية في قوله هذا وهو يدافع عن حقوق البعض بانتهاك حقوق الآخرين؟
تشارلز جريف عبر عن امتعاضه «عما يصله»من معلومات، لا عما عاينه بنفسه ورآه رأي العين. أليس هذا أمراً مضحكاً؟ مسؤول دولي في هذا المستوى يعتمد في أحكامه على ما يصله من طرف واحد، أي أنه لم يكلف نفسه التحقق من صدقية ما وصله بسؤال الطرف الآخر، والواضح أنه بسبب ارتباكه فضح نفسه فقال إنه بناء على ما وصله من معلومات (يعني من المعارضة) أصدر حكمه فقال ما يطيب خاطر من أوصلها إليه.
المثير أن جريف ليس الوحيد الذي وقع في هذا الخطأ الكبير، وهو ليس الأول وليس الأخير، فكثيرون غيره وقعوا ويقعون فيه، ولهذا فإن العالم لم يعد يثق في مثل هذه التصريحات والمواقف لأنه صار يعلم أن أصحابها يعتمدون في أحكامهم على ما «يصلهم» من معلومات من طرف واحد هو «المعارضة» التي من الطبيعي أن تبالغ وتهول، وتصف الأحوال بالمأساة كي تكسب التعاطف وتشعر بأنها حققت شيئاً من الانتصار، من دون أن تنتبه طبعاً إلى أن هذا يسيء إليها وإلى من جعلته يعبر عن امتعاضه بناء على معلومات غير دقيقة.
كان العرب يقولون إن جاءك من يشتكي بأن الآخر قلع عينه ورأيتها مستقرة في كفه فلا تستعجل بالحكم له فلعل الآخر يأتيك مقلوع العينين. واضح أن هذا القول لم يصل بعد إلى السيد جريف الذي يفترض أنه أسف على امتعاضه، فقد امتعض بناء على معلومة وصلته وليس على ما رآه بنفسه وتيقن منه. لم ينتبه جريف إلى أن الكثير مما تقوم به «المعارضة» هنا هو الذي يؤدي إلى الامتعاض، يكفي أن يعلم أنها أوقعت نفسها في مأزق بركونها إلى قوى خارجية وعدتها بما لا تستطيع وبما لا تملك فورطتها وصارت لا تعرف ماذا تفعل.
ما قامت وتقوم به هذه «المعارضة» قليلة الخبرة فقيرة التجربة في الداخل والخارج هو ما يؤدي إلى الامتعاض، وما قام به جريف باتخاذه موقفاً بناء على ما وصله من طرف واحد هو الذي يؤدي إلى الامتعاض، وما قامت به الجهات التي ركضت بالخبر هو الذي يؤدي إلى الامتعاض لأنها لم تسمع الطرف الآخر واكتفت بامتعاض جريف.
العاقل يمتعض من السلوك الخطأ، لكنه لا يمتعض إلا بعد أن تتوفر لديه كل المعلومات، فليس عدلاً أن يصدر حكماً بناء على ما وصله من طرف واحد، وليس عدلاً أن يمتعض حيث لا يستدعي الأمر الامتعاض!