كما أن الطيور على أشكالها تقع؛ كذلك وقعت وفشلت كل النظريات التي حاولت تفسير سر التقارب الأمريكي - الإيراني، لا بأس فلا يقع إلا الشاطر.
تعالوا نرصد بعض المتناقضات والمفاهيم المضطربة، والمؤدية بدورها إلى مزيد من الاضطرابات على مستوى تراجع المصداقية والثقة في السياسة الأمريكية.
قائد فيلق القدس الإيراني الجنرال قاسم سليماني، يتنقل بجيشه من بغداد إلى دمشق، في العراق يشرف على «عمليات تطهير» ضد السنة وتحويل القوات العسكرية والأمنية في العراق إلى ما يشبه حزب الله في لبنان، وفي سوريا وبعد هزائم قوات الاسد المتلاحقة، يقود قاسم سليماني المعارك في درعا وريف حلب والقلمون وغوطة دمشق، بل ومن الجولان.
كل هذا وواشنطن تتفرج ولا تجرؤ أن تقول «بوم» لطهران، ولا يوجد منطق يفسر صمتها.
مفاوضات النووي على شفا الاتفاق بعد بلورة تفاهم أمريكي - إيراني، رغم أنف الكونجرس الأمريكي ورئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو، والذي تلقى صفعة من أوباما خلال زيارته الأخيرة لواشنطن، بل واستهزأ من خطابه أمام الكونجرس، والذى دعا فيه نتنياهو الكونجرس لإبقاء الضغط على إيران ورفض الاتفاق النووي المرتقب معها، معتبراً أن هذا الاتفاق يمهد الطريق أمام إيران لامتلاك السلاح النووي، رغم أن الوهم السائد والمعشش في عقولنا في الخليج أن واشنطن ستمنع أي اتفاق مع إيران يمكنها من الحصول على قنبلة نووية من شأنه أن يزيد زخم عدوانيتها وتدخلاتها في شؤون جاراتها، ولكن ومع انتهاء جولة المفاوضات اكتشفنا أن الولايات المتحدة الأمريكية تستحلي العمامة على العقال!!
خذ عندك مثلاً آخر لألاعيب الأمريكان؛ أمريكا ترفض تسليح الثوار السوريين بحجة الخوف من وقوع تلك الأسلحة بأيدي قوات متطرفة (بحسب ما يقوله الأميركيون) لكنها في الوقت نفسه تغض الطرف عن الحليف الإيراني الذي يقدم الأسلحة للنظام السوري، والذي فاقت جرائمه بحق شعبه جرائم النازية.
وخذ عندك قمة التناقض؛ الولايات المتحدة تفرض عقوبات على إيران منذ انطلاق الثورة عام 1979 إلا أن الإدارة الأميركية الحالية «تتعامي»، أو هكذا يفترض، أن بغداد اليوم تعد مسرحاً مهماً للإيرانيين، حيث تستغل طهران العراق كأحد أهم المنافذ والواجهات لكسر الطوق الاقتصادي الدولي عليها، وهناك تقارير أميركية كثيرة تشير لذلك.
وفي اليمن، الحوثي الإيراني يغتصب سلطة ويلغي دولة، وفي لبنان انتخاب رئيس الجمهورية مؤجل حتى إشعار آخر بأمر من حزب الله الإيراني، حد فاهم شي؟ اللي فاهم يفهمني..
أشكرك على السؤال والعفو على الإجابة!
فعلا شيء يجنن ويأخذ العقل وعلى قول المصريين «يمخول الدماغ»، صحيح أن العلاقة الحميمية بين إيران والولايات المتحدة انكشفت مائة مرة فى مائة فترة تاريخية، لكنها لا زالت قادرة على إثارة الأسى والغثيان فى كل مرة.
ثم دعنا نسأل السؤال الأهم من كل ذلك؛ إذا كانت واشنطن تحارب الإرهاب منذ أحداث سبتمبر 2001، فكيف تتفق مع طهران التي تدعم الإرهاب، التلون والتقلب وتناقض المواقف هي التي جعلت المواطن العربي في حيرة فلم يعد يعرف هل أمريكا عدو ولا حبيب؟
لن أضحك كما يفعل باراك أوباما وتظهر أسنانه البيضاء كلما قرأ عن المؤامرة الكبرى على العرب، ولن أبتسم ببلاهة وزير خارجية إيران محمد جواد ظريف كلما وقف أمام الكاميرات ليصافح نظيره جون كيري، ولكن سأحاول أن أبحث عن تفسير منطقي لحالة التيه التي يعيشها العقل العربي بفعل سياسة الإدارة الأمريكية الأخيرة تجاه حلفائها في الوطن العربي، وبالذات في الخليج.
من البدهي أن المحلل لا يخمن، بل يرصد ويحاجج عقلياً، وللوصول إلى الحقائق لابد من إخضاع كل نظرية ووجهة نظر للتحليل، لكن أتصور أن اكبر المحللين وأشهرهم يعجز عن فك طلاسم هذه اللغز وسر العلاقة ما بين (الشيطان الأكبر) وطهران، لكن رغم ذلك أستطيع أن أستشف أن الأيام القادمة ستكون «سودة» على دول الخليج إذا ظلوا مصممين على «وضعية الميت»!!