يقول أحدهم بأن الخلاف بين النساء يأخذ صوراً أبشع وأشنع من الخلاف بين الرجال!
ويفصل في قوله بذكر طرق عديدة تمارس للانتقام أو «فش الغل» أو الإيذاء، لكن ما استوقفني قوله بأنه تصل المسألة إلى درجة دخول الواحدة على حساب الأخرى في الإنستغرام لتزيل «اللايك» الذي وضعته لها في وقت سابق!
ليس حديثنا هنا عن «كيد النساء»، فلسنا في مقام مواجهة أو افتعال مشاكل معهن، إذ «كيدهن عظيم»! لكن الحديث عن آلية الانتقام المذكورة هنا، وأعني إزالة «اللايك»، باعتبار أن هذا الأسلوب بات يعتقده البعض مؤثراً بقوة في الآخر، والمؤسف القول بأنه اعتقاد أصبح شبه صحيح.
في ظل الثورة المعلوماتية الكبيرة، وانتشار استخدام وسائــــل التواصل الاجتماعي، وتحولها لدى كثير من الناس إلى «أساسيات» حياة لا يمكن الاستغناء عنها، أصبحت العلاقات الإنسانية في مقام آخر مهددة بالانقراض.
هذه الوسائل حلت بشكل خطير محل كثير من صور التواصل الإنساني، بل باتت أساساً لتقييم مستوى العلاقات بين البشر، وأصبح من لا يستخدمها بشكل مسرف ومكثف يصنف على أنه غير مواكب للعصر، رجعي، متخلف ولا ينتمي للمجتمع!
هذه التوصيفات تطلق بالفعل دون أدنى مبالغة، إذ بات من لا يستخدم هاتفاً لوحياً ذكياً، ومن لا يملك حساباً في «الفيسبوك» و«التويتر» و«الإنستغرام» وغيرها، شخصاً متخلفاً عن ركب المجتمع، وإنساناً قد لا يحسب ولا يعتبر موجوداً.
كثير من البشر أصبحت علاقاتهم مع «هواتفهم» الذكية أشد وثاقة وأعمق صلة من علاقتهم بأبنائهم أو زوجاتهم أو والديهم أو حتى أصدقائهم، بعضهم ينام والهاتف معه، بعضهم يدخل -أعزكم الله- الحمام والهاتف معه، بعضهم يجن جنونه لو كان بالخارج وماتت بطارية هاتفه، لا لأنه قد يحتاجه لأمر طارئ، بل لأنه لن يتمكن من متابعة ما يحصل على وسائل التواصل الاجتماعي، ولن يتمكن من مشاركة الناس ما يفعله أو يأكله على الإنستغرام ليستقبل «اللايكات» ويتبادلها معهم.
مجتمعنا تغير تماماً في علاقاته الاجتماعية عما كان عليه سابقاً، تدهورت العلاقات، ونسي الناس كيف تكون الزيارات الدورية للعائلة ولقاءات الأصدقاء، بات لا يزعجنا ألا نتكلم مع الأقرباء والأصدقاء هاتفياً أو نراهم، إذ يمكننا فعل كل ذلك في «العالم الافتراضي» أو عبر تطبيق «الواتس أب» وغيره.
جميـــــل استخــــــــــدام التكنولــوجــــيا وتطويعها في حياتنا، لكن الخطر أن تحل محل الممارسات الطبيعية، خطر أن نكون أسرى لها ونعتبر حياتنا ناقصة وغير مكتملة من دونها.
قبل سنوات معدودة كانت الحياة تسير بدون استخدام نفس المستوى المتقدم للتكنولوجيا، فما الذي كان مختلفاً حينها؟! قد يقول البعض أن التكنولوجيا تسهل الأمور وتوفر الجهد والعناء والوقت، لكن كما إن للابتكارات فوائد فإن لها مضاراً، وبالبحث في طرق استخدام هذه الوسائل، سنجد أن الأغلبية تقع في خانة المتأثرين بالمضار التي تفرزها هذه الابتكارات، خاصة ما يتعلق بطبيعة الحياة البشرية وممارساتها كما أسلفنا.
أدرك بأننا لا نطرق موضوعاً جديداً، فكثير من الناس يعرف ما نقوله هنا بل يمكنه أن يزيد عليه، لكننا نقول بأنه من الجيد أن يحاول الشخص تدارك سقوطه في مستنقع الإدمان على أمور قد تجعله يمارسه في حياته كشخص مأسور بظاهرة أو إنسان مبرمج كالآلة.
لننظر في علاقاتنا وتواصلنا مع الناس، سواء أفراد عائلة أو أصدقاء أو معارف، لنحدد كم هي عدد علاقاتنا المحكومة بأسلــوب «اللايك» علـــــى حــسابات الإنستغرام والفيسبوك أو «الريتويت» على التويتر، وكم هي عدد علاقاتنا الحقيقية الفعلية التي لا تكون التكنولوجيا هي «الوســيط الافتراضي» فيها.
كم منا اعترته حالة ذات مرة وتمنى لو أنه يرمي بهاتفه الذكي تجاه الحائط ليحطمه ويتخلص من حالة الأسر التي يعيشها بسببه وبسبب تطبيقاته؟!
لا تستخفوا بهذا الموضوع، إذ خطر جسيم حينما يصل الإنسان ليقتصر ممارسة علاقاته الإنسانية عبر هذه الأساليــب، أو أن يكـــــون تقييــــمه لنفسه أو إحساسه بالقيمة والاحترام مبني على «اللايكات».