بعد أيام قليلة من التنفيذ الفوري للاتفاق بين الطيران المدني في إيران واليمن على تسيير 28 رحلة جوية بين صنعاء وطهران أسبوعياً، ووصول أول طائرة إيرانية تحمل شحنة مساعدات من الأدوية إلى مطار صنعاء الدولي مطلع هذا الشهر، أعلنت جماعة الحوثي أنها أبرمت اتفاقاً مع إيران يقضي بتوسيع ميناء الحديدة غربي اليمن، وإقامة محطة لتوليد الكهرباء ومدّ صنعاء بالنفط لمدة عام.
فقد جاء في الأخبار إن رئيس المجلس السياسي للجماعة صالح الصماد الذي اختتم زيارة لطهران على رأس وفد كبير قال «إن الاتفاق تضمن إقامة محطة لتوليد الكهرباء بطاقة 165 ميغاوات، إضافة إلى توفير قطع غيار وإجراء الصيانة لمحطة مأرب الغازية، فضلاً عن توفير قطع الغيار وصيانة خط نقل التيار الكهربائي بين مأرب وصنعاء، وإن الجانبين اتفقا على إيفاد الجانب الإيراني فريقاً فنياً لدراسة إنشاء محطات توليد كهرباء بطاقة 1200 ميغاوات في كل من محافظتي عدن والحديدة ومدينة المخا التابعة لمحافظة تعز بوسط البلاد، كما تم الاتفاق أيضاً على أن تقدم إيران دعماً فنياً لليمن من خلال إيفاد خبراء متخصصين وتدريب الكوادر اليمنية في مجالات الكهرباء والمياه والنقل والصيرفة والتجارة والصناعة».
بهذا تكون المسألة قد وضحت تماماً وظهر كل شيء إلى السطح، فالرحلات الجوية ستفتح الباب على مصراعيه أمام الصادرات الإيرانية إلى الأسواق اليمنية، ومن الطبيعي أنها ستستخدم لنقل السلاح والمقاتلين إلى اليمن من إيران التي تدعم جماعة الحوثي، بينما الرحلات البحرية ستزيل كل الأبواب، خصوصاً وأن الثمن مدفوع مقدماً، فما ستصرفه إيران على الميناء ومحطات الكهرباء والخبراء لا يمكن ليس من دون مقابل، وهو هنا السيطرة على اليمن كله واعتباره ولاية إيرانية.
هذا يعني أن الإعلان الدستوري الذي أعلنته جماعة الحوثي في فبراير الماضي وقضى بحل البرلمان وتشكيل مجلس وطني انتقالي ومجلس رئاسي من خمسة أعضاء لمدة عامين تم بالاتفاق مع إيران، وهو يعني الآن -بعد كل هذه الاتفاقات- أن الحوثي هو العضو الخامس في المجلس الرئاسي وأن الأربعة الآخرين إيرانيون، ويؤكد أن ما جرى في اليمن كان انقلاباً على الرئيس عبدربه منصور هادي، ويعني أن تحرك دول مجلس التعاون الحالي صحيح ومبرر لأن سيطرة إيران على اليمن فيها تهديد للمملكة العربية السعودية بالدرجة الأولى ولدول التعاون كافة.
الانقلاب الذي تم في اليمن بتكتيك إيراني ونفذه الحوثيون بإتقان سيفتح باب صراع طويل في المنطقة، وليس بعيداً أن تتطور الأمور بشكل سريع فتسعى السعودية إلى حماية نفسها عبر إرسال قوات إلى اليمن، ذلك أن عدم استقرار اليمن يؤثر بشكل كبير ومباشر على الاستقرار في المملكة، والعكس صحيح.
الواضح أن إيران حريصة على الاستفادة من كل دقيقة، ولولا هذا لما سارعت بتنفيذ الاتفاق بين الطيران المدني في البلدين خلال أربع وعشرين ساعة من توقيعه، ولما سارعت بتوقيع الاتفاق المشروح هنا لتوسعة الميناء والتعبير عن عشقها لليمن بتبني مشاريع ضخمة والدفع بسخاء.
هل نحن على أبواب مواجهة مباشرة بين السعودية وإيران على أرض اليمن؟ سؤال مهم ينبغي التعامل معه بجدية، خصوصاً وأن الكثير من المؤشرات تجعل هذا الأمر ممكناً بل ممكناً جداً، ذلك أن سعي إيران للسيطرة على اليمن ترمي من ورائه أيضاً إلى امتلاك أوراق مساومة في حال تعقد مسألة الاتفاق النووي، أي أن ورقة اليمن ستضاف إلى أوراق العراق وسوريا ولبنان المتوفرة في يد إيران، وهذا أمر مخيف لو كان دقيقاً، لأن اهتمام إيران المفضوح بما يجري في البحرين ربما كان الهدف منه زيادة عدد الأوراق التي يمكن أن تساوم عليها.