الإصلاح أبداً لم يكن في الشوارع، ولم يكن عبر تجاوز القانون والدوس عليه بالأقدام، وأبداً لن يكون عبر حالة من عدم الاستقرار وممارسة العنف والتخريب.
كل الدول العربية التي طالتها رياح الربيع العربي لم تخرج من وضع الفوضى بل زادت فيها بسبب الصراع على الكراسي، ولو استثنيا مصر فإن الاستثناء يأتي بعد سنوات من المعاناة أيضاً.
الدولة التي تمتلك وسائل تصحيح يقويها دعم الدستور لها، هي تمتلك إن صح القول «العصا السحرية» لأي تغيير، فوجود برلمان فاعل، ومجلس وزراء يتعاطى بإيجابية، ومجلس شورى يمارس دوره الصحيح، يضاف إليه حراك وطني سليم من قبل مؤسسات المجتمع الوطني، هذه الدولة ماذا تريد أكثر حتى تنهض وتتطور وتنجح؟!
الممارسة الصحيحة والذكية، هي المعيار الذي يحدد اتجاه ومسار كل أداة من هذه الأدوات، هي بيدها أن تقودها للنجاح وفي نفس الوقت يمكن أن تبصم عليها بالفشل.
وعليه؛ إن نجح مجلس النواب الجديد في التحدي الذي يقف أمامه عبر إبدال الصورة الذهنية التي ترسخت لدى المواطن وتحديداً السلبية بشأن المجالس النيابية السابقة، فإن ذلك خير وبركة، وسيحس المجتمع بقيمة ذلك ربما بعد مضي الوقت.
كذلك الحكومة، إن تفاعلت بإيجابية ومرونة أكبر من السابق مع مجلس الشعب، وتواصلت بشكل أقرب مع الشعب نفسه، وتمثل كل وزير ومسؤول بدوره على أكمل وجه ولم يتقاعس ولم يتهاون، فإن الأداء لابد وأن يرتقي للأفضل.
ينسحب ذلك على مجلس الشورى والذي حتى بعد الحد من صلاحياته في المساءلة بحسب التعديلات الدستورية التي جاءت بناء على حوار التوافق الوطني، فإن الدور الملقي على عاتقه أيضاً مهم ومؤثر، خاصة إن ربطه بالمواطن وما يريد وينشد.
والمهم بالنسبة لمؤسسات المجتمع المدني أن تقف وقفة محاسبة للنفس بل جلد للذات، وترصد كل التجارب السابقة التي مرت بها، تسجل أين كان النجاح، وترصد أين كان الفشل، ولماذا حصل، وكيف يمكن تجنبه. على هذه المؤسسات مسؤولية كبيرة في تنوير الشارع، في الإسهام بترقية الفكر المجتمعي عبر الوعي الصحيح والعمل المؤسسي الأصح.
هذه أدوات تملكها مملكة البحرين، جاءت كثير منها بفضل المشروع الإصلاحي لجلالة الملك حفظه الله، هذه الأدوات يجب أن يطالها التعزيز الدائم، وألا يقبل بأي تراجع لها، ولا إلغاء، ولا تعطيل ولا عرقلة لعملها، بل ينبغي الاستثمار فيها وتطويرها وتقويتها، فكل واحد منها عمود أساسي في بناء هذا الوطن.
هناك دول تمر بمراحل فوضى، تمر بثورات، تمر بموجات تغيير، أغلب هذه الممارسات تحصل من أجل الحصول على مثل هذه الأعمدة، من أجل الوصول لهذه الأدوات التي بها تبنى المجتمعات، وكثير من هذه الدول تضيع منها سنوات طويلة يضيع معها أجيال متعاقبة حتى تصل لهدفها المنشود.
في البحرين لدينا ذلك، لا نحتاج أن نضيع سنوات وجهوداً لأجل الوصول لهذه الأعمدة أو الأساسيات، هي لدينا بالفعل، لكن الممارسات أحياناً هي التي تضعف أداءها، هي التي تعطلها، عدم الوعي بأهميتها هو أخطر عدو لها.
لدينا مؤسساتنا التشريعية والتنفيذية والمدنية ولدينا الحراك الشعبي الصحيح، لدينا النوايا الطيبة والرؤية الصحيحة التي تحتاج لتنفيذ سليم، لدينا المقومات ولدينا البشر، يبقى التركيز في العمل الصحيح وفي الاتجاه الصحيح.