أحد الأصدقاء تمنى عليّ زيادة جرعة المقالات التي تسهم في تقريب وجهات النظر بين الفرقاء في الساحة المحلية، ورأى أن الوضع في البحرين الآن بحاجة إلى مثل هذه المقالات لعلها تكون سبباً في فتح باب جديد للحوار الذي ربما أدى هذه المرة إلى حلول لمشكلتنا التي طالت وتضرر منها الجميع من دون استثناء، ورأى أن التركيز على الأخطاء التي ترتكب في هذه الفترة، وإن كانت كبيرة، من شأنها أن تسهم في تعقيد المشكلة أكثر، ولعلها تظهر الكتاب على أن لهم مصلحة شخصية في استمرار هذه الأوضاع.
أمنية طيبة لا تخص فرداً ولكنها تعبر عن كثيرين، وهو طريق جميل سلكته وزملاء آخرون كثيراً، وكان لما كتبنا وقع طيب في نفوس القراء، لكنه للأسف لم يجد الأذن الصاغية من قبل المعنيين وإلا لما استمر الحال على ما هو عليه، ولما عبر هذا الصديق وآخرون عن أمنياتهم هذه.
بالتأكيد ليس لأحد منا نحن الكتاب من له مصلحة في بقاء الحال على ما هو عليه حتى لو ادعى ذلك، كما ليس بيد أحد منا وقف ما يجري في الساحة، فالكتاب ليسوا إلا «محرضين» على الهدوء والعودة إلى العقل والحوار والتفاهم، ولكن الأحداث تتطور بناء على معطيات معينة ومواقف يلتزم بها ذو العلاقة بالمشكلة.
كلنا نتمنى أن تنتهي هذه المشكلة وتعود الأحوال إلى ما كانت عليه، ولكن كلنا ندرك أيضاً أن خطبة واحدة يلقيها أحدهم في مسجد أو بياناً تصدره إحدى الجمعيات السياسية من شأنهما أن يدفعا إلى التصلب في مواقف معينة ويؤديا إلى زيادة تعقيد المشكلة.
للأسف لا يمكن تعديل مسار الأحداث بمقال يكتبه هذا الكاتب أو ذاك مهما كان مؤثراً ومقروءاً ومهما كانت ثقة الفرقاء فيه، لكن هذا لا يمنع من أن يحث الكتاب على الهدوء والعودة إلى العقل وأن يدعوا إلى الحوار والتفاهم ويحرضوا على الخير.
المشكلة في البحرين اليوم هي أن كل ذي علاقة بالمشكلة توصل إلى قناعات معينة ومواقف يرى أن تغييرها يقلل من شأنه ويضعفه ويشعره بشيء من الهزيمة، ولهذا فإن الجميع مستمر في مواقفه وآرائه وقناعاته، بل إن البعض وصل إلى حد عدم تقبل النصيحة واعتبارها تدخلاً في شؤونه.
نحن نعيش مشكلة كبيرة، هذه المشكلة لا يمكن أن تحل بمقالات تتكرر فيها الدعوة إلى الهدوء والعقل والمنطق -وإن كان هذا جيداً- ولكن بمراجعة الأطراف ذوي العلاقة لمواقفهم ووضع مسألة تقديم التنازلات في اعتبارهم، حيث إصرار كل طرف على رأيه وموقفه لا يمكن أن ينتج عنه سوى مزيد من الألم ومزيد من تعقيد المشكلة.
لنتصور أن جميع الكتاب توقفوا عن التعليق على الأحداث وتطوراتها وامتنعوا عن نقد ما يرونه خطأ من وجهة نظرهم فهل سيؤدي هذا إلى انتهاء المشكلة؟ الجواب الأكيد هو بالنفي. هذا يشبه كلام من يقول إن التوقف عن نشر أخبار ما يجري في سوريا والعراق سينهي مشكلة هذين البلدين، ويشبه كلام من يعتقد أن إغماض العينين عما يجري في أي مكان نتيجته توقف ما يجري.
هذا منطق لا يمكن لعاقل أن يقبله، فالأحداث مستمرة وتتطور سواء كتبنا عنها أم لم نكتب، بل إن الكتابة عنها والتعليق على تفاصيلها ربما يسهم بشكل أو بآخر في تصحيح بعض الأمور.
جميل أن ندعو إلى التهدئة والعودة إلى العقل والمنطق وتقديم التنازلات ووضع مصلحة الوطن في الاعتبار، ولكن للأسف مشكلتنا لا تحل فقط بالدعوة إلى هذه الأمور، خصوصاً وأن الحل هو في يد الأطراف ذات العلاقة وليس في يد كتاب الأعمدة.