أي تنفيذ محكم لأي مشروع أو خطة أو استراتيجية لابد وأن يمر بالمراحل الأربعة الرئيسة، ونعني بها التخطيط، التنظيم، التنفيذ وقياس الأثر أو ما نسميه «التغذية الراجعة».
هذه المراحل درسناها ونحن صغار في المدرسة، وباتت راسخة في الأذهان على أنها الخطوات الرئيسة لأي عمل، وأن القيام بها بصورة صحيحة يعني ضمان «جودة» العمل وإتقانها في البحرين قد لا تكون ملامح التخطيط واضحة، نعم لدينا ما نعتبرها استراتيجيات وربما خططاً وطنية معنية بأمور معينة، لكننا لا نعرف كيف وضعت كثير منها، وعلى ماذا بنيت، وكيف تم استقراء أساسياتها سواء تلك المتعلقة بمتطلبات الدولة أو احتياجات الناس؟ لكن لدينا خططاً معلنة، رغم أن التخطيط وضعه «مبهم».
لن نعيد القول الذي كررناه مراراً بأننا كدولة مازلنا نفتقد لوجود جهة رئيسة معنية بالتخطيط، قلنا في السابق إننا نحتاج لهيئة عليا تتبع حتى جلالة الملك حفظه الله، تعنى بالتخطيط ورسم الملامح المستقبلية لعمل كافة القطاعات، أو أقلها تخضع مشاريع هذه القطاعات للدراسة والتمحيص وتقرير جدواها وأولويتها. وفي هذا الصدد نأمل بأن يأتي يوم لنشهد ولادة لمثل هذه الهيئة، لأن وضعنا بناء على المشاهدات اليومية يثبت لنا بأننا مازلنا نعاني بشكل كبير من مسألة التخطيط.
عموماً، لنضع التخطيط جانباً، وأيضاً التنظيم رغم أهميته في ضمان استمرارية الروح في أي مشروع، وأيضاً التنفيذ كتفصيل متشعب يحتاج لصفحات للحديث عنه، ولنركز هنا على الأدوات التي من خلالها يمكننا معرفة أن ما قمنا به من عمل أو ما تم من ممارسات بالفعل يسير في اتجاه صحيح، ويتلاءم مع الخطة أو الاستراتيجية الموضوعة، وأنه في النهاية يحقق الغاية المطلوبة منه.
نتحدث هنا عن التغذية الراجعة كمفهوم قائم على استطلاع رأي المتأثرين بالعمل، وما إذا حقق نجاحاً أو فشلاً، إذ الخلاصة دائماً بإمكانها كشف كثير من الأمور سواء أكانت إيجابية تتضمن إضافات قيمة، أو تكشف أوجه قصور وإخلالات يمكن للإدارة الذكية التعلم منها وتجنبها في القادم من المشاريع.
لتحقيق ذلك لابد من تفعيل أداة جداً مهمة، تطبيقها في كافة مراحل أي مشروع، ابتداء من التخطيط وصولاً إلى العملية الأخيرة، يمكننا من ضبط العملية وتفادي أية عراقيل أو مشاكل يمكن لتفاقمها أن يوصلنا لكارثة، وهنا نعني «مقاييس الأداء» التي تجعلنا نحكم على الأداء (ولو كانت العملية مستمرة) بأنه يمضي بالوتيرة المطلوبة وبالكفاءة المنشودة.
مثل هذه المؤشرات تستخدم في كبريات الشركات العالمية، وكثير من الشركات الخاصة في البحرين تبني عملها عليها، بل بعض الهيئات باتت تحاول استخدامها بشكل رئيس في عملها إلا أن تداخل البيروقراطية التي اعتدنا عليها تؤثر على الثبات في التمسك بها، وهذا خطأ كبير.
لكن الحديث على صعيد أكبر يجرنا للتساؤل حول مقاييس الأداء المعنية بأداء كبار مسؤولي الدولة، كوزراء ورؤساء هيئات ومن في حكمهم، إذ الافتراض هنا بأن هذه المعايير لا تطبق بسبب كثير من المشاريع المتعثرة أو الاستراتيجيات التي لا تطبق، تضاف إليها كثرة المشاكل التي تستمر ردحاً من الزمن بلا حل، ولتقارير ديوان الرقابة المالية نصيب أيضاً.
قد تكون هنا معايير موضوعة، لكن هل عملية قياسها تتم؟! هنا السؤال. هل هناك محاسبة للوزراء والقطاعات المتأخرة في عملها أو غير المنجزة؟! ولا أتحدث هنا عن محاسبة من مجلس النواب كسلطة رقابية ولها حق المساءلة للحكومة، بل أتحدث عن الدولة نفسها كونها المعنية بمتابعة كبار موظفيها ومشاريعهم ومدى النجاح فيها ونسبة التأخر.
تحديد الأهداف أمر أساسي، وهنا جيد أن تكون لنا خطط واستراتيجيات واضحة (أكرر واضحة)، لكن معايير القياس أو مقاييس الأداء (سموها ما شئتم) هي الأهم وسط كل ذلك، هي من تحدد جدية التنفيذ، هي من تكشف لنا جوانب القوة ونقاط الضعف، تكشف موقع الإنجاز ومكمن الخلل، والأجمل من ذلك كله، بإمكانها أن تصنف لنا حتى المسؤولين، من منهم جاد ومثابر وحريص، ومن منهم عدمه أفضل من وجوده.