حديث السيد عبدالله الغريفي الجميل والمليء بالدعوة إلى التوقف عن ممارسة الأذى و»تحسين خط المعارضة» كي يكون مقروءاً ويصل إلى شغاف قلب السلطة فيحدث شيء من الانفراج في الأزمة التي دخلت عامها الخامس، هذا الحديث لم يجد للأسف أي صدى في أوساط البعض الذي للأسف أيضاً يعتقد أنه بممارسته الأذى يمكنه تحقيق المكاسب، من دون أن ينتبه إلى أن هذا الطريق لا يمكن أن يوصل إلى أي مخرج ولن يزيد الأمر إلا تعقيداً.
هنا تكمن مشكلة «المعارضة»، حتى العاقلة منها، فهي تختار التصعيد أملاً في الوصول إلى التهدئة، وهذا غير ممكن منطقاً ولا واقعاً، حيث التصعيد يؤدي بطبيعة الحال إلى التصعيد، والعكس صحيح.
اللافت أن هذا البعض لم يجرب التهدئة كي يحقق المكاسب، وكأنه لا يريد أن يكون سبباً في حل المشكلة أو لا يريد للمشكلة أن تنتهي، فلو جرب وأعاد التجربة مرة ومرتين وثلاث وتبين له أن هذا الطريق بالفعل لا يوصل إلى مفيد فيكون بذلك اختياره للطريق الآخر مبرراً، لكن الحكم على فشل خيار التهدئة من دون السير في طريقه مسألة تبين مدى حاجة هذا البعض إلى أخذ دروس في العمل السياسي. كذلك فإن القول بأن على الحكومة أن تبدأ بالتهدئة وتوفير الدلائل على أنها تريد إنهاء المشكلة يعني أن هذا البعض يعاني بالفعل من فقر في تجربته السياسية.
لا يمكن لأي دولة أن تقبل بتحدي مواطنيها لها وعنادهم والإصرار على الطريق الذي اختاروه لحل مشكلاتهم وفرضه عليها، ولكن يمكنها بل من واجبها أن تفتح لهم الباب وتسمع رأيهم وتتعاون معهم في حل تلك المشكلات التي يطرحونها، فللدولة هيبة لا تقبل أن تمس، وينبغي من «المعارضة» أن تدرك هذا الأمر، خصوصاً وأن الدولة لم توصد الأبواب في وجهها وظلت تدعوها ومازالت إلى الحوار والعودة إلى ما يفرضه العقل والحكمة.
الواضح الآن هو أن رجالاً من أمثال السيد عبدالله الغريفي يؤمنون بهذا، وإلا لما دعا ممارسي أعمال التخريب والعنف إلى التوقف عن هذه الممارسات وعزز دعوته ووجهة نظره بأحاديث نبوية شريفة تدعو إلى إماطة الأذى عن الطريق.
لكن السيد الغريفي ومن معه قلة يظل تأثيرهم محدوداً -رغم مكانتهم الاجتماعية والدينية العالية فهم محترمون ومقدرون- بسبب فورة الحماس المنغمس فيها ذلك البعض الذي اختار الطريق الوعر للوصول إلى مطالبه، ما يعني أن على السيد الغريفي ومن معه أن يعملوا على تحقيق أمرين مهمين؛ الأول هو زيادة عدد المؤمنين بهذا التوجه العاقل، والثاني هو الإصرار على دفع «المعارضة» بكل أطيافها إلى السير في هذا الطريق الحضاري لأن الطريق الآخر لا يمكن أن يوصل إلى أي شيء سوى الخراب وسوى مزيد من تعقيد المشكلة.
الأكيد أن أمراً كهذا يحتاج إلى وقت، لكن الوقت ليس في صالح البحرين وشعبها بسبب تطورات الأوضاع في المنطقة والتي بدورها تزداد تعقيداً وتؤثر على الداخل البحريني وتأخذ من جهد الدولة وأموالها، أي أن على أصحاب هذا التوجه الطيب أن يزيدوا من جهدهم وعملهم ويستغلوا كل دقيقة لإقناع من هم «مثلهم وشرواهم» أن يعينوهم على دفع الآخرين في هذا الاتجاه، خصوصاً بعدما تبين أن الطرق الأخرى لا تفضي إلى الحل المنشود.
بالمقابل فإن على الحكومة أن تستغل هذا الأمر بدعم أصحاب هذا التوجه قدر الإمكان وتعزيز موقفهم، ولا بأس لو بدأ ذلك بعقد لقاءات «غير جهرية» مع هذه الثلة الطيبة عبر وسطاء خير يحظون بالقبول لدى الطرفين ويمكن أن يكون لهم دور في هذه المرحلة.