يفاجئنا النواب كل مرة وحين بطرح مواضيع ليس لها علاقة باستراتجية وطنية أو اقتصادية أو اجتماعية، وليس لها علاقة بمحاربة فساد ولا النظر في أسباب خسارة شركة طيران، ولا شركة نفط غير فاعلة، ولا حدود برية وبحرية لم تحكم منافذها وممراتها وشوارع غير آمنة، بل يطرحون للمناقشة مواضيع ثانوية؛ فمرة اقتراح عن فرض زيادة رسوم على صاحب العمل، ومرة التصدي لاستثمار لمراكز شبابية، وها هم لليوم مازالوا يواصلون هذه الأطروحات الهزيلة، ومنها ما تم نشره مؤخراً عن تقدم بعض النواب بطلب مناقشة توظيف المدرسين الأجانب وتحسين أوضاع الرياضيين، وكأن حضرات النواب أصبحوا أصحاب مكاتب توظيف أو كأن المواطنين صاروا جميعهم رياضيين.
وهنا سنتحدث عن المطلب الذي تقدم به بعض النواب بمناقشة «توظيف المدرسين الأجانب»، ونسألهم؛ ما هو الضير في توظيف مدرسين ممن تسمونهم أجانب، هل هي كارثة أو فيها خطر على عقيدة أم أن وجودهم سيشكل خطراً على أمن البلاد أو على ثقافة الطلاب؟ أم أنهم سيقومون بالغش وتزوير في الدرجات؟ كل هذه التساؤلات لا نجد لها أي جواب منطقي ومقنع، وذلك حين يكون المعلم من وطن عربي مصر أو الأردن أو فلسطين، وهي دول شقيقة لهم من الفضل على الأمة العربية وعلى الدول الخليجية على وجه الخصوص، فهم من نشروا العلم والمعرفة، ثم إنه من العيب ونكران الجميل أن يطلق عليهم أجانب، فهم أخوة لنا في العقيدة والعروبة والتاريخ المشترك، فهم من وقفوا مع دول الخليج في الظروف الحالكة، إذن هم ليسوا أجانب، بل هم إخوان ومربون سيساهمون بعلمهم في دفع عجلة التعليم التي هي في أمس الحاجة إلى معلمين تربويين يسدون النقص في التخصصات، ويرفعون من مستوى تحصيل الطلبة العلمي.
وها هي دول العالم تتجه إلى الاستعانة بمعلمين من الخارج، ومنها بريطانيا، حيث قامت وزيرة التعليم البريطانية إليزابيث تراس بزيارة شنغهاي في 2014 برفقة مديري مدارس من إنجلترا لاستقدام 60 معلماً صينياً في مجال الرياضيات، وذلك لقناعة بريطانيا بأن رفع مستوى الطلبة في هذا التخصص بات من الضروري، بعد أن أظهر تحليل اقتصادي أن ضعف المهارات الحسابية يكلف بريطانيا ما يعادل 13% من الناتج المحلي الإجمالي أو 20 ملياراً سنوياً.
ونود هنا أن نوضح للنواب بأن وزارة التربية والتعليم وديوان الخدمة المدنية هما المسؤولان مباشرة عن التوظيف في المؤسسات الحكومية وفقاً لمعايير وأسس لا يمكن لوزارة التربية ولا ديوان الخدمة المدنية تجاوزها، وها هي تقارير ديوان الرقابة المالية لم تذكر غشاً ولا عيباً في إجراءات التوظيف، وأما توظيف العاطلين من الخريجين فهي مسؤولية وزير العمل الذي عليه أن يعيد النظر في مشروع التوظيف «المعوق» الذي لا ندري ما يجري في مكاتبه وما يمرر من قوائمه، أم أن محاولة النواب هذه المرة مقتبسة من المجالس السابقة، مثل محاولة النواب الوفاقيين عندما مارسوا الضغط على مؤسسات الدولة ومنها وزارة التربية على الوجه الأخص، حين تجاوب معهم الوزير المحسوب على الانقلابيين، وتم توظيف قوائمهم دون باقي الخريجين من المواطنين، الذي تم التعامل معهم كأنهم أجانب، طالما اسمه لم يذكر في القائمة.
نقول هنا للنواب كفى متاجرة في مشاعر المواطنين، فالخريجون ليسوا فقط في مجال التعليم، بل في مجالات مختلفة، كما إن المواطنين جميعهم ليسوا رياضيين حتى يطالب هؤلاء النواب بالنظر في تحسين مستواهم وامتيازاتهم، ولذلك نرجو منهم أن يطرحوا مواضيع ويناقشوا مسائل أمنية واقتصادية تنهض بالبلاد وتفتح المجال لنمو الاقتصاد، حتى تكون الدولة قادرة على توفير فرص العمل، عندما تعود للبحرين الشركات الاستثمارية والإنشائية وتعود الحياة الاقتصادية كما كانت عليه.
كما نقول لهم الرجاء بالكف عن التعرض للمؤسسة التعليمية، وإذا كنتم بالفعل تحرصون على مصلحة الوطن والمواطن، فعليكم أن تناقشوا قضية الإرهاب التي طالت المدارس، وها هي كل يوم تقارير تنشر عن تعرض بعض المدارس لأعمال إرهابية، دون أن يكون هناك تحرك نيابي لا من المجلس النيابي السابق ولا حتى هذا المجلس، وأما مسألة توظيف العاطلين فهي مسألة يجب التعاطي معها بصفة شمولية، لا بالتصدي إلى وزارة معينة أو زير بعينه.