كتب - وليد صبري:
تستضيف الكويت اليوم وغداً الدورة الـ34 للمجلس الأعلى لدول مجلس التعاون الخليجي، في ظل ترقب إقليمي ودولي، ووسط ظروف إقليمية وعالمية استثنائية، حيث تواجه القمة تحديات غير مسبوقة، أفرزتها تداعيات الاتفاق النووي بين إيران ومجموعة الدول الست الكبرى «5 + 1» في جنيف، إضافة إلى الأزمة السورية، والاضطرابات والتحولات في دول ما يعرف بـ»الربيع العربي»، خاصة في مصر وليبيا واليمن وتونس.
كما تواجه القمة تنامي سقف الطموحات الخليجية في تعزيز الوحدة بين دول الخليج، وقضايا الدفاع المشترك، والتكامل الاقتصادي، والتنمية البشرية، والوعي بأهمية الحفاظ على الإنجازات المتحققة حتى الآن.
وينتظر من القمة المهمة أن تبحث في نتائج الدراسات والتوصيات حول مشروع الانتقال من مرحلة التعاون الخليجي إلى مرحلة الاتحاد الخليجي، في ضوء الأصداء الرسمية والشعبية التي لقيها مقترح خادم الحرمين الشريفين العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود في قمة الرياض قبل عامين، وأن تبحث في ملفات التعاون المشترك وآلية تفعيل القرارات، والتنسيق السياسي في مواجهة أحداث المنطقة المتسارعة.
لقاءات خير ومحبة
من جهته، أكد الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي عبداللطيف الزياني أن «هذه الظروف تتطلب من دول المجلس تدارس تداعياتها لضمان حماية إنجازات المجلس وحماية مصالح شعوب منطقة الخليج».
وأعرب الزياني عن «ثقته بأن القمة الخليجية ستخرج بنتائج مهمة تعزز مسيرة العمل الخليجي المشترك في مختلف المجالات»، مشيراً إلى أن «قمة الكويت الخليجية تكتسب أهمية خاصة نظراً للظروف الدقيقة التي تعيشها المنطقة والتحديات الجسيمة التي تفرض على دول المجلس تبادل الرأي وتوحيد الرؤى واستمرار التنسيق المشترك في كل ما من شأنه تعزيز المسيرة وتأكيد تلاحم وترابط دول المجلس».
وقال إن «قمة الكويت ستضيف مكاسب جديدة لصالح مواطني دول المجلس»، مؤكداً أن «لقاءات قادة دول المجلس هي لقاءات خير ومحبة هدفها الدائم هو المواطن الخليجي وتحقيق آماله وتطلعاته في مزيد من المكتسبات والإنجازات وبما يعود عليه بالنفع والخير».
ولفت إلى أن «قادة دول المجلس يولون المواطنة الخليجية والأمن والاستقرار وتعميق التكامل الاقتصادي بين دول المجلس اهتماماً بالغاً لارتباطها بحياة المواطن الخليجي ومعيشته كما إنهم يؤكدون دائماً على ضرورة أن يؤدي العمل الخليجي المشترك إلى مزيد من التعاون والترابط والتكامل».
الاتحاد الخليجي
ويبحث قادة دول المجلس خلال القمة اقتراحاً بقيام اتحاد بين دول المجموعة الست. وأكدت السعودية أهمية انتقال مجلس التعاون الخليجي من مرحلته الحالية وهي التعاون إلى مرحلة الاتحاد.
وشهدت الساعات الماضية عشية انعقاد القمة الخليجية مواقف مهمة بالنسبة لدول المجلس. وأبرز المواقف ما أعلنه وزير الدولة العماني للشؤون الخارجية يوسف بن علوي من أن «السلطنة تعارض مشروع إقامة اتحاد بين دول مجلس التعاون الست». وقال بن علوي في منتدى الأمن الإقليمي بالبحرين «حوار المنامة»، «نحن ضد الاتحاد»، مضيفاً «لن نمنعه لكن إذا حصل لن نكون جزءاً منه».
في المقابل، خلص مجلس الوزراء البحريني خلال انعقاده أمس الأول إلى أن التحديات التي تحيط بدول مجلس التعاون تؤكد أن الاتحاد الخليجي بات ضرورة ملحة وخياراً استراتيجياً لا مناص منه في مواجهة مخاطر التهديدات والاستهدافات التي تحيط بدوله، بينما ذكر رئيس مجلس أمناء مركز الملك فيصل للبحوث بالسعودية الأمير تركي الفيصل أن «موقف سلطنة عمان الرافض لقيام الاتحاد الخليجي لن يحول دون تحقيقه»، مشيراً إلى أن «دول التعاون ترى الوحدة أمراً حتمياً وسواء أرادت عمان الالتحاق لاحقاً أو لم ترد فالأمر يعود لها».
وحول الموقف العماني الرافض لفكرة الاتحاد، قال الكاتب الصحافي جمال خاشقجي إن «البنية التحتية لهذا الاتحاد لم تكتمل، والجديد في هذه المرة هو الموقف العماني الذي رفض الفكرة، بل وصل الأمر لدى العمانيين في حال الإصرار على هذا الاتحاد إلى انسحابهم من المجلس».
وأضاف خاشقجي أن «هذه الفكرة نبيلة، ولكن هناك أموراً كثيرة ستؤثر على هذا الاتحاد الخليجي بحكم الواقع السياسي بين الدول، ويجب على المجلس أن يبدأ بالبناء من الأسفل إلى الأعلى ويعيد ترتيب أوضاعه كي ينجح».
وعما إذا كان الاتحاد الأمني بين دول مجلس التعاون الخليجي سيكون مثمراً، أفاد خاشقجي بأن «الاتفاقات الأمنية اختبرت ونجحت ولنا في حرب صدام حسين السابقة وكذلك دخول درع الجزيرة في أحداث البحرين خير دليل، كما إنه لا توجد آثار سلبية لهذا الاتحاد كي تقوم عمان بالرفض».
ومن المنامة أيضاً أطلق وزير الدفاع الأمريكي تشاك هيغل رسالة طمأنة إلى دول مجلس التعاون بعد الاتفاق النووي الغربي مع إيران، وقال إن «العملية الدبلوماسية يجب أن تكون مدعومة بالقدرة العسكرية لأمريكا».
وأكد أن «الولايات المتحدة ستبقي على وجودها العسكري في الخليج الممثل بـ35 ألف جندي رغم توقيع الاتفاق».
وبموازاة ذلك، أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية «البنتاغون» أن «هناك طلباً قوياً من دول الخليج على طائرات إف 35 المقاتلة»، التي لا يرصدها الرادار.
العمل الخليجي المشترك
ينتظر أيضاً أن يناقش قادة دول مجلس التعاون عدداً من القضايا التي من شأنها تعزيز العمل الخليجي المشترك في كل المجالات، إضافة إلى التقارير والتوصيات التي يتم رفعها من المجلس الوزاري ليقوم المجلس الأعلى بالمصادقة عليها.
وينظر المجلس الأعلى في دورته الـ34 إلى ما تم إنجازه وتناوله من قبل المجلس الوزاري في المجال الأمني، كمكافحة الإرهاب والفساد وحماية المنشآت النفطية، والتعاون المروري، علاوة على الوثيقة الاستراتيجية الاسترشادية للحكومة الإلكترونية للدول الأعضاء، والتي تم اعتمادها من قبل المجلس الوزاري، في خطوة تهدف إلى التنسيق بين الدول الخليجية لتحقيق التكامل في ما بينها.
ويحظى التعاون الاقتصادي بأهمية خاصة من قادة دول المجلس، الذي يبدو جلياً من السعي إلى تعزيز التجارة البينية بين دول الخليج، من خلال مناقشة ما تم التوصل إليه في اجتماعات لجنتي التعاون التجاري والصناعي الخليجيتين من جهة، وتشجيع التعاون الاقتصادي والتجاري والاستثماري بين المنظومة والكيانات الاقتصادية الكبرى، كالولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي من جهة أخرى.
ومن المتوقع أن يناقش المجلس الأعلى خطة العمل المشترك بين دوله وتركيا في مجالي التجارة والاستثمار، إضافة إلى الجهود الرامية إلى تحقيق الشراكة الاستراتيجية مع كل من المغرب والأردن من خلال التعاون المشترك في مجالات البيئة والطاقة المتجددة، والتعليم والبحث العلمي والتعاون الاقتصادي والقانوني والسياحة والأمن الغذائي وغيرها.
ويحرص قادة دول مجلس التعاون على متابعة سير العملية الانتقالية في اليمن، وخصوصاً ما يتعلق بالحوار الوطني في ظل المبادرة الخليجية وجهود المنظومة، في سبيل دعم الاستقرار وجهود إعادة بناء اليمن.
ومن المتوقع أن يبحث الزعماء الخليجيون الملف المصري بعد أن دعمت السعودية والإمارات والكويت بقوة عزل الرئيس الإخواني محمد مرسي في يوليو الماضي من قبل الجيش، فيما كانت قطر تدعم الإخوان.
كما يحرص المجلس على دعم القضايا العربية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، ومساندة الشعب الفلسطيني الذي يرزح تحت وطأة الاحتلال الإسرائيلي، الذي يستنزف مقدرات شعب فلسطين ويسعى نحو وأد نهضته ونضاله.
من جانب آخر، تشهد القمة بث إذاعة «صوت مجلس التعاون» من الكويت، أثناء استضافتها لأعمال القمة.
الملف الإيراني
يرى محللون أن القمة تواجه تحدياً كبيراً يتعلق بالاختراق المفاجئ في العلاقة الأمريكية الإيرانية، الذي نتج عنه توقيع اتفاق جنيف المرحلي لحل الملف النووي العالق منذ سنين بين إيران والدول الكبرى، ومن ثم يواجه مجلس التعاون تحدياً كبيراً حول تحديد لهجة الخطاب الخليجي، ومحاولة توحيده من التطور الدولي الإيراني، خاصة أن إيران تحاول أن تلعب بورقة التهدئة والتطمين، من خلال تصريحات وزير خارجيتها محمد جواد ظريف قبل أيام، خلال جولة خليجية قام بها، مؤكداً فتح صفحة جديدة مع المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات، مستخدماً لغة التأسيس لمؤسسة مشتركة تضمن التعاون الخليجي الإيراني.
واستضافت سلطنة عمان التي اتبعت دائماً سياسة مستقلة عن شركائها في مجلس التعاون، في الأشهر الأخيرة جزءاً من المفاوضات الأمريكية الإيرانية التي أفضت إلى التوصل إلى اتفاق مرحلي بين الجانبين حول البرنامج النووي المثير للجدل، كما تقيم سلطنة عمان تاريخياً علاقات جيدة مع إيران.
واستقبل مجلس التعاون خبر الاتفاق النووي بارتياح ورحب بالقرار، الذي جاء متناغماً مع المطالب والمساعي الخليجية الرامية إلى دعم السلام والاستقرار، وأكدت دول المجلس في أكثر من مناسبة حرصها على أن تتم تسوية الملف الإيراني بالطرق السلمية.
لكن في موازاة ذلك، تأتي بوادر التصعيد من الأدوات الإيرانية ضد دول الخليج، خاصة الهجوم الأخير الذي شنه الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله على السعودية، وقيام مناصرين لإيران بقصف مواقع سعودية على الحدود مع العراق، حيث حكومة رئيس الوزراء نوري المالكي مناصرة لإيران إلى أبعد الحدود.
الأزمة السورية
تتطلع الشعوب الخليجية والعربية إلى القمة الخليجية بكبير الآمال، بسبب الأحداث التي تمر بها المنطقة منذ نحو 3 أعوام، خاصة الأحداث الناجمة عن استمرار الأزمة السورية العنيفة. وآمال الخليجيين شاخصة إلى ما يمكن لهذه القمة أن تفعله على صعيد تحريك المجتمع الدولي تجاه التوصل إلى حل عادل لهذه القضية، مع وقف النزيف الدموي لدى الشعب السوري، خاصة بعد التوصل إلى اتفاق أمريكي روسي بتدمير الأسلحة الكيميائية السورية بإشراف منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، مع التركيز على عقد مؤتمر «جنيف 2» الذي من المقرر أن يحضره نظام الأسد والمعارضة.