حتى هذه اللحظة لا يوجد تعريف صريح وواضح لحالات «التوحد» التي تصيب الأطفال، فبعضهم اعتبره مرضاً نفسانياً، وآخرون اعتبروه مرضاً عضوياً، والكثير من السابقين عرفوه بأنهم «إعاقة في النمو»، لكن المعنى الدقيق «للتوحد» ربما ليس هذا أو ذاك، بل هنالك شبه إجماع طبي وعلمي على إطلاق اسم «الاضطراب» على حالات التوحد.
عرف هؤلاء العلماء التوحد كما ذكرنا على أنه» اضطراب النمو العصبي الذي يتصف بضعف التفاعل الاجتماعي، والتواصل اللفظي وغير اللفظي، وبأنماط سلوكية مقيدة ومتكررة. وتتطلب معايير التشخيص ضرورة أن تصبح الأعراض واضحة قبل أن يبلغ الطفل من العمر ثلاثة أعوام. ويؤثر التوحد على عملية معالجة البيانات في المخ وذلك بتغييره لكيفية ارتباط وانتظام الخلايا العصبية ونقاط اشتباكها؛ ولم يفهم جيدًا كيف يحدث هذا الأمر».
يرى الباحثون «أن ما يميز العجز الاجتماعي التوحد وطيف التوحد ذات الصلة، عن اضطرابات النمو الأخرى. ويعاني المصابون بالتوحد من مشكلات اجتماعية، وغالباً ما ينقصهم الحدس الذي يعتبره الكثيرون أمراً مفروغًا منه. وصفت «تمبل جراندين» التي أصيبت بالتوحد، عدم قدرتها على فهم طرق التواصل الاجتماعي الخاصة بالأشخاص الذين لديهم نفس المرض، أو الأشخاص ذوي التطور العصبي المعتاد».
في الوقـــت الذي بدأ هذا الاضطراب السلوكي «التوحد» يأخذ موقعه الكبير جداً بين كافة الاضطرابات الأخرى وربما حتى الأمراض الأخرى لمن اعتبره مرضاً، نجد أن هنالك الكثير من الأسر البحرينية مازالت تصر على تغافل حالات التوحد من «الداخل» ورفضها القاطع دخول عالمهم، على الرغم من وجود أحد أطفال التوحد ممن يعيش بين أحضانها.
إن غياب مؤسسة الأسرة التام عن حياة هؤلاء المصابين باضطراب التوحد وعدم معالجتهم أو حتى الالتفات لمشاكلهم، كرس هذا الوباء الذي بدأ يزحف من منزل إلى آخر ومن دولة إلى أخرى بشكل مخيف.
مازالت بعض الأمهات في البحرين، من اللاتي أنجبن أطفالاً بدت عليهم أعراض «التوحد» أو حتى الإصابة بهذا الاضطراب، يصرون رمي المسؤوليات المتعلقة بمشاكل أطفالهن على المربية الأجنبية أو تجاهل هؤلاء الأطفال عبر إغراقهم بالوسائل التكنولوجية الحديثة، تلك التي تصيب الطفل السليم بالإضراب فكيف بطفل التوحد، كل ذلك من أجل الهروب من المشكلة وعدم مواجهتها بكل شجاعة، وبكامل التأكيد، هنالك من الآباء من يفعل ذات الفعل!
جولة سريعة في المقاهي الحديثة أو في بهو المجمعات التجارية أو حتى في الحدائق أو المتنزهات الخاصة بالأطفال، ستلاحظون أن المربية الأجنبيــة الجاهلـــــة بتفاصيــــــل «اضطراب التوحد»، هي التي تقوم برعاية طفل التوحد، ذلك الذي يحتاج لعناية من نوع خاص جداً جداً، بينما نجد الأم غارقة في عالمها أو مشغولة عنه بالضحك مع صديقاتها حيناً، وبالتسوق أحياناً أخرى. هذه المشاهد نراها بأم أعيننا كل يوم، خصوصاً من طرف بعض الأسر الثرية، تلك التي تعتقد بكل سذاجة ووقاحة، أن توفير حاضنة أجنبية لطفل التوحد هو الحل.
إن هذا الاستهتار من طرف الأم أو الأب أو الأسرة عموماً، تجاه أطفال التوحد وعدم الاهتمام بهم بالطريقة الصحيحة والمطلوبة، يعتبر جريمة أخلاقية، يحاسب عليها الضمير والقانون أيضاً.
في الوقت الذي ترتفع فيه أصوات هؤلاء الأطفال كي يسمعوا كل البشر من أجل الدخول إلى عالمهم، كما تبنت ذلك مبادرة «نسيم» مشكورة، نجد أقرب الناس لهذه الشريحة يهربون منهم بشكل بشع، هرباً لا يليق أبداً بأسر تعيش في هذا العصر، لكنه التخلف المغلف بالجهل والأنانية يا سادة.