مملكة البحرين دولة عربية مستقلة ذات سيادة، ولا يحق لأي دولة كانت أن تتدخل في شأنها الداخلي، فكيف إذا كان هذا التدخل من قبل شخصية دبلوماسية تصرح أنها ستحضر محاكمات أشخاص شاركوا في مؤامرة انقلابية للإطاحة بالنظام، فإذا بهذه الشخصية الدبلوماسية التي دخلت البحرين بموافقة النظام ووفق قوانين وأعراف دبلوماسية لا تسمح أبداً في التدخل في أي شأن سياسي للدولة، ومثال على هذا التدخل ما صرح به المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية الأمريكية جون بساكي، أن ممثلاً عن السفارة الأمريكية سيحضر الجلسة المقبلة لمحاكمة نبيل رجب، وذلك كما نشر في الصحافة المحلية.
إن حضور الممثل الأمريكي في جلسة محاكمة المدعو نبيل رجب، لهو تقليل من شأن القضاء البحريني، وأن السماح لهذا الممثل لحضور الجلسة يسيء لمكانة القاضي ويشكك في نزاهة القضاء، كما يفتح الباب لمزيد من التدخل الخارجي، وذلك عندما توافق الدولة على حضور أطراف أجنبية جلسات محاكماتها، وهذا لن تقبل به أمريكا في محاكمها ولا أي دولة حتى الصومال.
وإننا هنا لنستغرب حين نرى في نفس الصحيفة هذا التصريح بجانب تقرير آخر يشير فيه السفير الأمريكي للدور الحيوي للبحرين في تعزيز الأمن والسلام على المستويين الإقليمي والدولي، مما يثب هذا الاعتراف بأن البحرين إذا كانت قادرة على المساهمة في تعزيز الأمن والسلام الإقليمي والدولي؛ كيف لا تستطيع أن تدير شأنها المحلي بكل عدالة، ثم إذا كانت أمريكا تنظر إلى البحرين على أنها دولة لها دور ومكانة بين المجتمع الدولي فكيف تقلل من شأن هذه الدولة أمام هذا المجتمع وأمام شعبها حين يحضر ممثل عن السفارة الأمريكية لمحاكمة مواطن بحريني شارك في مؤامرة انقلابية، وأن للدولة الحق أن تحاكمه دون تدخلات ووساطات، أو أن هذا الشخص مهم جداً لأمريكا، أو أنه من الميليشيات التي أنيطت إليها الخارجية الأمريكية دوراً في تنفيذ مخطط الشرق الأوسط الجديد.
وفي نفس الوقت الذي تعلن فيه الخارجية الأمريكية حضور ممثل للسفارة الأمريكية جلسة محاكمة نبيل رجب، نشرت صحيفة «تايمز أوف إسرائيل» في 26 فبراير 2015، خبراً يقول «الولايات المتحدة تحذف إيران وحزب الله من قسم الإرهاب»، وذكر فيه أن حذف تقرير سنوي صادر حديثاً عن مدير الاستخبارات الوطنية الأمريكية، إيران وحزب الله اللبناني، من قائمة التحديات «الإرهابية» التي تواجه الولايات المتحدة، وأن السبب في هذا الحذف لجهود إيران في محاربة تنظيم «داعش»، وللتهديد الذي يواجه حزب الله من جماعات «داعش» و«جبهة النصرة»، وقد كان التقرير السابق أشار أن سبب إدراج إيران وحزب الله ضمن قسم «الإرهاب»، بسبب استمرارهم في تهديد مصالح حلفاء الولايات المتحدة بشكل مباشر.
إذن أين امتنان أمريكا للدور الفعال للبحرين في مشاركتها التحالف الدولي لمحاربة «داعش»، وأين اهتمام أمريكا لمصالح حلفائها عندما كلف خامنئي سليماني ونصر الله للتدخل لدعم شيعة البحرين، أو أن أمريكا هي الأخرى شملها هذا التكليف، وما حضور ممثل للسفارة الأمريكية لجلسة محاكمة نبيل رجب، إلا تنفيذ لهذا الدعم، وذلك بعدما أصبحت أمريكا توجه من قبل إيران، وفقاً للمصالح المشتركة بينهما، وحيث إن هذا المدعو نبيل رجل يمثل مصلحة لإيران، فبالتأكيد أن أمريكا يهمها حضور جلسات محاكمته، وما جلوسها مع الدولة إلا هو دور تمثيلي تتطلبه مواصلة تنفيذ المخطط الجديد الذي لا يتم إلا عبر علاقات دبلوماسية طيبة مع الدولة، بجانب دعم معنوي وقد يكون الله أعلم بدعم مادي لقادة الانقلاب، لا تحاسب فيه إن كان علنياً، طالما الدولة لم تمانع من هذا الدعم ولا التدخل المباشر في أهم قضاياها الأمنية.
وهذا التصرف الأمريكي الخبيث تجاه البحرين وتجاه دول الخليج الأخرى يعيد للأذهان تصريح رئيس مجلس الشورى الإيراني الذي قال فيه «البعض في المنطقة يسعون وراء الغربيين ولكن عليهم أن ينظروا إلى ما حل بصدام الذي كان يريد أن يصبح بطل العرب، وعلى الدول العربية التي تضع أكتافها تحت أقدام أمريكا أن تعلم بأن أمريكا ستركلهم متى ما شاءت»، وذلك وفقاً لما نقلته وكالة أنباء فارس، نعم لاريجاني يعي ما يقول، فلديه الرؤية الكاملة للشرق الأوسط الجديد، الذي فيه قد بدأت بالفعل أمريكا للتخلي عن حلفائها، وهذه هي صور من صورة التخلي عندما تصر الخارجية الأمريكية على حضور جلسات محاكمات قادة المؤامرة الانقلابية في البحرين.
ولكن ستظل سيادة الدولة على شؤونها الداخلية، إذا ما عقدت الدولة عزمها على محاكمة قادة المؤامرة الانقلابية دون حضـــور أي شخـــص أجنبي كان سفيراً أو غفيـراً.