أوائل الشهر الجاري اعتمد وزير التربية والتعليم توصيات لجنة التحقيق التي تم تشكيلها بشأن واقعة الموشح الديني الذي قدمه طالب في إحدى المدارس متضمناً آيات من القرآن الكريم في مهرجان للإبداع الطلابي نظمته إحدى المدارس الخاصة.
كانت اللجنة قد أوصت بتحويل المتورطين في هذه الواقعة إلى النيابة العامة وتوجيه إنذار كتابي إلى مدير المدرسة وأحد مساعديه وفصل المدير المساعد الآخر وإحالته إلى مجلس التأديب، وكذلك المعلم الذي أشرف على تدريب الطالب والمشاركة في العزف، بالإضافة إلى إيقاف أعضاء لجنة التحكيم (وهم ثلاثة اختصاصيين) لمدة عشرة أيام عن العمل مع الخصم من الراتب وتوجيه إنذار للطالب وأخذ تعهد عليه وعلى ولي أمره بعدم تكرار هذا التصرف.
وزارة التربية والتعليم لم تكتف بهذا وإنما أكدت في بيان «أنها لن تسمح بأي شكل من الأشكال بأي تصرف أو عمل يمس بالقيم أو الثوابت الإسلامية».
أما النيابة العامة فقد حققت في الأمر واتخذت إجراءاتها انطلاقاً من مبدأ محاسبة من يعد عمله «خروجاً على الثوابت الدينية، والتقديس والاحترام اللازم لكتاب الله العزيز، بما يشكل جريمة المساس بالدين الإسلامي الحنيف وكتابه الكريم»، حيث استجوبت الطالب القائم بالغناء والمدرسين اللذين توليا تدريبه على الأغنية والعزف ووجهت لهم تهمة المساس بالدين الإسلامي وإهانة شعائره وأمرت بحبسهم احتياطياً على ذمة القضية.
القصة إذاً تتحدث عن تورط طالب ومعلمين ومدرسة في أداء آيات ملحنة ومغناة، ولأن المساس بالقرآن أمر مرفوض؛ لذا فإن المقطع الذي انتشر أثار غيرة الجميع فأخذوا منه موقفاً وأيدوا تصرف الوزارة والنيابة العامة. لكن ما حدث بعد أيام هو أن الجميع تبين أن ما انتشر كان جزئية اقتطعت من الموشح وأن من يستمع إلى الموشح كاملاً يتأكد أن القصة تختلف تماما، فهو موشح ديني يتضرع فيه المنشد إلى الله سبحانه وتعالى ولا يختلف عن الموشحات الدينية الأخرى.
للتوضيح فإن «الموشحات فن غنائي مستحدث من فنون الشعر العربي نشأ وترعرع في بلاد الأندلس، وهي من المحاولات التي قام بها الشعراء لتجديد البناء الموسيقي للشعر العربي المتمثل في وحدة الوزن والقافية عن طريق توزيع التفعيلات وتنويع القوافي». أما علاقته بالموضوعات الدينية فبعيدة من حيث الظاهر ولكنها عكس ذلك باعتبار أن نشأة الموشحات ارتبطت بالمجتمع المتدين في المجتمع الأندلسي، ذلك أن بعض الشعراء الذين أسهموا في نشأة هذا الفن كانوا قد قالوا في شبابهم أشعاراً في اللهو والمجون والعبث ثم تابوا في أخريات حياتهم ونقضوا ما قالوه في المجون بقصائد في التوبة والندم والاستغفار.
هذا يعني أن العلاقة بين الموشح والدين لا تناقض فيها، ولهذا سمي هذا النوع منه بالموشحات الدينية. المثير أن المجتمع البحريني والخليجي والإسلامي بشكل عام لم تكن تستثيره مثل هذه الأمور من قبل لذا لم يحدث أن أُتهم أحد بمثل هذا الاتهام ولم يتعامل معه بمثل هذه القسوة؛ مجتمعيا ووزاريا ونيابيا، من ذلك على سبيل المثال أغنية غزل شهيرة للفنان الشعبي محمد زويد يردد فيها آية «إنا أعطيناك الكوثر»، ومنه أيضا سمفونية كاملة عزفت في ماليزيا تترنم فيها الفرقة بآيات كاملة من القرآن الكريم بدءاً من البسملة، ومنه كذلك توظيف المطرب مارسيل خليفة لسورة يوسف في أغنية شهيرة تداولها الناس في كل البلاد الإسلامية.
بالتأكيد من حق المجتمع أن يغضب، وكذلك وزارة التربية والتعليم، وبالتأكيد من حق النيابة العامة أن تحقق في الموضوع، لكن بالتأكيد أيضاً على الجميع التريث كي لا يظلم أحد، خصوصاً أن من يستمع إلى الموشح كاملا يتبين له أنه إبداع وتضرع إلى الله وليس فيه ما يسيء إلى القرآن أو الدين.