قال لي أحدهم؛ إن الولايات المتحدة الأمريكية تفتقر حقيقة إلى الديمقراطية، وأنها كدولة تعتبر من الدول الدكتاتورية، حتى وإن تظاهرت في كونها زعيمة الديمقراطية في العالم. قلت لصاحبنا، إن كلامك هذا غير دقيق على الإطلاق، فأمريكا تتمتع بأفضل نموذج ديمقراطي في العالم، حتى ولو كانت لنا بعض المؤاخذات والملاحظات عليه.
أمريكا دولة ديمقراطية، ولا يمكن أن ينكر ذلك أحد من الناس، لكن ما يجب أن نفرق بينه هنا، هو أن الولايات المتحدة الأمريكية قدمت نموذجاً رائعاً للعالم من خلال نظامها الديمقراطي للداخل الأمريكي فقط، لكنها فشلت في تصدير هذا النموذج للعالم الخارجي، لمجموعة من الأسباب.
لقد وقعت أمريكا بين أمرين، أحلاهما مر، فإما أن تقوم بتصدير الديمقراطية الحقيقية للعالم، وهذا لا يستقيم وسياستها في تجهيل الشعوب وتركيعها من أجل ابتزازها ووضعها في مؤخرة الركب العالمي، ليصفو لها الجو في الاستمتاع بنهب ثروات العالم الثالث في سبيل بناء الداخل الأمريكي، أو أن تقوم بتكريس الدكتاتوريات داخل الأوطان والمجتمعات البعيدة لإشغالها بأنفسها لتظل الشعوب الأخرى وإلى أبد الآبدين شعوباً متخلفة وضعيفة، وهذا السلوك في واقع الأمر أنتج إرهاباً دولياً بمباركة أمريكية، سواء كانت تريد هذا أم لم تكن ترغب في صناعته أصلاً.
إن الأنانية الغربية على صعيد تصدير الديمقراطية للدول والشعوب الشرقية عموماً، والعربية خصوصاً، جعل العداء الشرقي للولايات المتحدة الأمريكية والغرب يزداد يوماً بعد يوم، فحالات الكراهية تجاه واشنطن باتت متفشية بصورة كبيرة جداً من طرف الشعوب التي بدأت تؤمن كل الإيمان أن أمريكا هي «أم المصائب»، وأن كل سلوكياتها عبر قرن كامل من الزمان، خصوصاً فيما يخص تعاملها مع الشرق أو مع العرب على وجه الخصوص، خلق حساسية مفرطة في تقبلها أو في قبولها كنموذج صادق للحرية والديمقراطية في العالم الثالث.
أمريكا دولة ديمقراطية داخل «أمريكا»، أما في الخارج فإنها -على الأقل في نظر الشعوب العربية- دولة مجرمة، تتعامل بازدواجية وقحة حيال القضايا العربية، ولعل أكثر ما كشف هذا الزيف في المعايير ووضعها على المحك الحقيقي، هي القضية الفلسطينية ومشروع ما يسمى بالربيع العربي «المغشوش».
في الوقت الذي كانت فيه أمريكا تبني مجدها وعظمتها وكيانها ودولتها ونهضتها وديمقراطيتها، كانت في المقابل تبيد شعوباً بأكملها وتهين شعوباً أخرى، فما جرى للسكان الأصليين من الهنود الحمر من إبادات جماعية، وما جرى في فيتنام من جرائم ضد الإنسانية، وما يجري اليوم من فوضى غير خلاقة على الإطلاق في الوطن العربي، أعطانا يقيناً واحداً فقط؛ وهو أن أمريكا دولة «أنانية» لا تحب الخير للبشرية، حتى وإن كانت تتمتع بأقصى درجات الديمقراطية في الداخل، على الرغم من تراجع هذا المبدأ مؤخراً بإعادتها وتدويرها إنتاج العنصرية تجاه السود، وهذا ما يؤكد زيف سياسة الإدارة الأمريكية المتخبطة في هذه المرحلة الحساسة من تاريخها وتاريخ البشرية، فهل سنصدقها بعد هذا الكم الهائل من الكذب والتدليس والقهر؟ أم سنظل نجاملها لأنها الأقوى؟ لكن في كلتا الحالتين، ستظل واشنطن بعيدة عن القلب العربي.