في أحد المؤتمرات التربوية اشتد النقاش وانخفض مستوى المداخلات، فعلق أحد الأساتذة البارزين في الوطن العربي بأن التربية يجب ألا تتحول إلى «حمار قصير القامة يمتطيه كل قزم». ذلك التعليق أثار حفيظتنا واستياءنا، فعقب الأستاذ الجليل بأن الشأن التربوي شأن فكري وحضاري عميق يجب ألا نخوض فيه بآرائنا وأهوائنا دون سند معرفي متين.
تذكرت القصة القديمة السابقة وأنا أقرأ مجريات «الحفلة» التي أقامها بعض النواب حول واقعة ما بات يعرف بتلحين القرآن الكريم. حيث قرر مجلس النواب تشكيل لجنة تحقيق حول الواقعة. تلك الحادثة التي شكلت وزارة التربية والتعليم لجنة تحقيق في شأنها ثم حولتها للنيابة لمتابعة سير التحقيق والحكم القضائي. السادة النواب لم يكتفوا بالإجراءات السابقة؛ بل وجدوا في الواقعة فرصة سانحة يستثمرونها لعمل «بروبوجندا» إعلامية يعيدون فيها بث حلقات مسلسلهم القديم الذي يقومون فيه بدور البطولة المطلقة في الوصاية على الدين وفي حماية البحرين من بوادر الردة. فشعب البحرين الذي أوصل هؤلاء النواب إلى كراسي البرلمان في شهر نوفمبر السابق لا يستطيع أن يذكر إنجازاً لنوابه في مجال الخدمات أو مشروعاً أو برنامجاً أو أي أثر لعمل نيابي مؤسسي. لكنهم اليوم يثقبون طبول آذننا بصراخهم حول قضية تلحين القرآن واستضافة الكاتبة اللبنانية جمانة حداد.
أتكلم هنا باعتباري تربوية هالني أن أقرأ مزايدات النواب علينا وهم يتهمون وزارة التربية والتعليم بأنها قد صارت مرتعاً للإساءة للدين، وأن ثمة خللاً، وأسباباً جوهرية في أداء الوزارة نتج عنها هذه الواقعة. وثمة من اقترح عمل حملات توعية في مدارس البحرين للتعريف بأهمية القرآن وآداب التعامل معه. باللهجة العامية أقول «عزت علي نفسي» وأنا أتذكر سنوات عمري التي قضيتها في التعليم وفي الأخير ينبري من لا نعرف مؤهلاتهم ولا خبراتهم ليزايد علينا في ديننا وعملنا وكفاءتنا ثم يمارس علينا دور الوصاية ويعلمنا ما ينبغي علينا أن نفعله. أيها السادة النواب «خفوا علينا» فما هكذا تتحدثون عن التربية والتعليم. وزارة التربية والتعليم هي من علم الآلاف المؤلفة من أبناء البحرين قراءة القرآن وحفظه وتقديسه. وزارة التربية والتعليم هي من يرعى المعهدين الدينيين السني والجعفري، وهي من يبتعث الطلبة إلى أقطاب الأرض لدراسة الشريعة والعلوم الإسلامية. وهي من يتبنى ضمن مسابقاتها وأنشطتها حفظ القرآن وتجويده وتفسيره. وزارة التربية والتعليم هي من خرجت مشايخ البحرين وعلماءها ورجالها ونساءها المحترمين، وهي من خرجت نواب المزايدات أيضاً. وما حادثة تلحين القرآن إلا واقعة فردية لا تنم إلا عن جهل الواقعين فيها وسوء تقديرهم وتقصير بعض من تابعوها وهي ليست دليل زندقة تتجه إليها الوزارة، ولا يليق وسم العاملين في الميدان التربوي بالقابعين في مرتع للإساءة للدين. فتلك إساءة للشعب البحريني بأكمله!!
الملفت للانتباه أن هذه الحادثة تبعها مباشرة عملية فبركة مقطع فيديو لإحدى المحاضرات التي كانت تقدم ورشة حول كيفية حماية النفس ضد المتحرشين لمجموعة من طلاب الابتدائي. تم العبث بالفلم لتحويل «حمام المسجد» إلى «إمام المسجد» للإيحاء بأن وزارة التربية تقيم ورشاً ومحاضرات للنيل من أئمة المساجد. وكان رد وزير التربية مفحماً بتحويل القضية إلى الجرائم الإلكترونية وتكريم الأستاذة المحاضرة والتنويه إلى تعزيز التعاون معها. تلك الوقائع تشير إلى محاولات «داعشية» في النيل من وزارة التربية والعمل على اختراقها، وابتزازها بين الفينة والأخرى بالإشاعات وتجييش الشارع ضدها والتلويح بالمساءلات ولجان التحقيق تحت غطاء الوصاية على دين الله وحفظه والذود عنه إزاء كل من يسيء له.
تبقى وزارة التربية والتعليم هي المسؤولة عن الرد على النواب استناداً إلى إجراءاتها وآليات التواصل مع البرلمان. ولكن من حقنا نحن التربويون أن نستنكر الإساءة التي تعمد بعض النواب إلحاقها بنا، وأن نرفض الانتقاص من قيمنا وإنجازاتنا وغيرتنا على الدين والوطن. وأن نطالب المسيئين لنا بتقديم اعتذار صريح وواضح يفندون فيه تصريحاتهم وإساءاتهم لنا.
ومن ضمن التصريحات التي استوقفتني ما نسبته جريدة الوسط لأحد النواب بأن ما فطر قلبه وآلمه هو عدم رد وزير التربية على اتصالاته ورسائله المتكررة التي استمرت ساعات طويلة يوم الحادثة. واكتفاء الوزير برسالة واتساب بأنه قد حول الموضوع للتحقيق. أظن أن «سعادة النائب» يتصور بأن على وزير التربية والتعليم أن يفض اجتماعاته ويلغي التزاماته ويوقف عمل الوزارة للرد على مكالمة سعادته.
السؤال هنا: هل انفطر قلب «سعادة النائب» لأن وزارة التربية والتعليم أساءت إلى الدين أم لأن الوزير لم يرد من فوره على مكالمات «سعادته»؟!