كل المواضيع اليوم يجب أن توضع جانباً، فلا شيء أخطر على البلد اليوم من موضوع الدين العام، حتى الإرهاب والتخريب ليس بنفس مستوى الخطر والتهديد، خاصة مع انخفاض وتيرته وانكشاف منابعه وتطبيق القانون.
المشكلة أننا بقراءتنا للتصريحات الصادرة من الجهات المعنية نتوه وسط السطور، نحس أننا ندور في حلقة مفرغة، وحينما نتساءل عن الحلول وكيف يمكن تجنيب الوطن والمواطن الأضرار المتوقعة لا نجد إجابات وافية شافية، ما يعني أن المعنيين بالمسألة أنفسهم ليست لديهم خطة مدروسة لتفادي الضرر.
هناك تناقضات وتصادمات في التصريحات نفسها، وحتى الأجهزة الحكومية المعنية ترسل رسائل متناقضة، حينما يقرأها المواطن بالضرورة سيقول والقلق يعتريه «ماذا يحصل؟!» والسؤال الأخطر «إلى أين ستأخذوننا؟!».
بالأمس نشرت الوطن صفحة كاملة تضمنت ثلاثة مواضيع معنية بقضية الدين العام، أولها موقف وزارة المالية، وثانيهما موقف اللجنة المالية في مجلس النواب وثالثها موقف مصرف البحرين المركزي.
وزارة المالية تقول إن الاقتراض حتمي وضروري ولا مناص منه، وأن رفع سقف الاقتراض إلى 7 مليارات دينار وهو الحد الأقصى مسألة لابد منها، وأن ذلك لتمويل العجز وتوفير متطلبات الميزانية القادمة وسداد أقساط القروض المستحقة.
المصيبة تتمثل في أن المالية تقول إن سعر النفط المطلوب لتحقيق التوازن في الميزانية الجديدة يتجاوز 140 دولاراً للبرميل شريطة بقاء تقديرات مصروفات الميزانية عند نفس مستوياتها في السنة المالية السابقة.
هذه الجملة أعلاه لا توصف إلا بكلمة واحدة وهي «مستحيل»، بل هي المستحيل بعينه، إذ لا التقديرات الحالية تشير إلى إمكانية ارتفاع سعر برميل النفط المتذبذب والواصل لـ50 دولاراً إلى السعر المطلوب، ولا مصروفات قطاعات الدولة ستقل أو ستبقى عند نفس مستويات العام الماضي.
لكن رغم هذا القول، فإن وزارة المالية عند رأيها بأن وصول نسبة الاقتراض إلى 60% من حجم العائد القومي أمر ملزم، وهو ما يحذر منه النواب متمثلاً في اللجنة المالية وأعلنوا رفضهم لرفع سقف الدين العام إلى 7 مليارات.
تحذير النواب بني على خطورة وصول النسبة إلى 63.5% من الناتج المحلي وهي نسبة غير مسبوقة في تاريخ البحرين، الأمر الذي يدعو للقلق من الناحية الاقتصادية، وقد يؤثر حتى على قيمة الدينار البحريني وتصنيف الدولة الائتماني.
ويتفق مع هذا الطرح مصرف البحرين المركزي وهو مؤسسة رسمية في البلد حالها حال وزارة المالية، والتصريح الصادر من المصرف يعاكس توجه الوزارة، إذ المصرف يحذر من الاقتراض مشيراً لوجود انعكاسات خطيرة مستقبلية خاصة أن مستويات الدين العام ستصل لمستوى عال يفوق الحدود الآمنة.
لكن الكلام المهم في تصريح المصرف هو إشارته إلى أهمية وضع برامج علاجية لتصحيح الاختلال بالميزانية، وهي الجملة التي تكررت مرتين في التصريح المنشور.
شخصياً بحثت في جسم الخبر عن تفصيل لهذه الحلول أو مقترحات لأساليب علاجية فلم أجد، وهو أمر يزيد المخاوف، إذ نحن اليوم في مرحلة اكتفينا فيها بتبادل التصريحات والدفع في كل اتجاه من قبل كل جهة، نريد أن نعرف اليوم ما هي الخطة وما هي ملامح التحرك لتجنب كارثة اقتصادية مستقبلية، وما هي الحلول بالتفصيل؟!
كمواطن بسيط حينما أقرأ التصريحات التحذرية وتشخيص المصرف المركزي بشأن مصروفات الدولة، وأقرن ذلك بما تتضمنه تقارير الرقابة المالية، وأربط العملية كلها بتوجيهات مجلس الوزراء الأخيرة بشأن خفض النفقات، تقفز إلى ذهني أولى خطوات التصدي للمشكلة وذلك بخفض المصروفات المتكررة بالفعل، لكن مع ضرورة «تقطيع» أو «شطب» بعض المشاريع التي تتقدم بها الوزارات، خاصة المشاريع التي لا تمثل «أولوية قصوى» للوطن والمواطن، وضعوا ألف خط تحت توصيف «أولوية قصوى»، إذ أغلب الوزارات والقطاعات ستقول إن مشاريعنا مهمة ولا يمكن تأجيلها أو تجميدها أو إلغاؤها، لكن الواقع يفرض أن هناك أموراً يمكن أن توقف أو تلغى إن كانت النتيجة تهدف لتحقيق نوع من الضبط في المصروفات، أو تؤدي لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.
رجاء مثل هذه التصريحات مخيفة ومقلقة وتدفع المواطن نفسه للخوف، اشرحوا للناس أي خطة وضعتموها بالتفاصيل للتعامل مع المسألة، فالاكتفاء بتطمينات كلامية لا يخفف حدة قلق الناس طالما تقابلها تصريحات من جهات رسمية معنية تعزز هذا القلق بشواهد على أرض الواقع.