كان حلماً مزعجاً؛ بل من الأجدر أن أطلق عليه «كابوساً».. «خير اللهم اجعله خير».. لقد حلمت بأنني فزت بالانتخابات البرلمانية وأصبحت نائبة في المجلس النيابي، في الحلم شاهدت مشهد فرز الأصوات، وكان الفرق بسيط بيني وبين المنافس الآخر، إلا أنني استطعت خلال الحلم أن أطيح به وأفوز بالمقعد البرلماني، في بداية الحلم كان للفوز طعم الشهد والعسل ولكن سرعان ما تغير الزمان والمكان ليحط بي في مجلس النواب الموقر.في الحلم شاهدت نفسي أجلس على المقعد البرلماني وبجانبي بعض من الزملاء من النواب الحاليين، وفي جانب آخر من القاعة عدد من الوزراء يحملون ملفاتهم التي تحتوي على إجاباتهم المعدة مسبقاً للرد على أسئلة النواب التقليدية، وكان أصحاب المعالي والسعادة يستعدون لبدء مناظرة غير منتهية مع السادة النواب كالعادة.وكان رئيس المجلس متصدراً الجلسة مرتدياً بشتاً بنى اللون وكان يمسك بمطرقة تشبه مطرقة القاضي في الأفلام لتنظيم وقت مداخلات النواب، في الحلم، وكعادتي في الحقيقة، لم أخلُ من الحماس لأطرح آرائي وأفكاري، فأذكر أني طلبت الكلمة من معالي رئيس مجلس النواب لأدلو بدلوي كما يفعل السادة النواب في الواقع.وقفت واعتدلت في وقفتي وأنا أضبط المايكرفون ليكون صوتي مسموعاً لدى الجميع لاسيما لدى الزملاء النواب المشغولين بهواتفهم أو بأحاديثهم الجانبية، بدأت خطابي مرتجلة «معالي الرئيس.. إنني حظيت بشرف الجلوس على هذا المقعد بسبب أصوات وثقة الناخبين الذين وثقوا بأنني سأكون صوتهم في مجلس الشعب، وقد وعدتهم بأنني سأحارب من أجل تحقيق مكتسبات مباشرة لهم». فأومأ الرئيس برأسه موافقاً إياي داعياً أن أسترسل في كلامي فأكملت؛ «معالي الرئيس إنني أدعو معاليكم بطلب مزيد من الدورات التثقيفية لجميع الزملاء النواب للتعريف بمهامهم الوظيفية الجديدة والأدوات التشريعية والبرلمانية وكيفية استخدامها»، وهنا بدأت القاعة تضج بأصوات الزملاء النواب، وأذكر أن أحد النواب قال «ألم أقل لكم أن هذه العضوة متفلسفة»، وآخر قال «من يشك في قدراته يطلب دورة خاصة له»، كناية عن أنني من يحتاج التثقيف، وآخر قال «ما اللغط الذي تتحدث عنه هذه العضوة»، ولمحت أحدهم يهمس لأحد الزملاء «إن المكان الحقيقي للمرأة في البيت وتمتم.. ناقصة». ظهر في الحلم أيضاً صحافي يخط في الدفتر الممسك به «النائبة لولوة البودلامة: النواب بحاجة إلى دورات تثقيفية في الشأن البرلماني»، لم يؤثر في كلامهم بل انطلقت بثقة كبيرة مواصلة حديثي «معالي الرئيس أعزائي الزملاء.. لنتحدث بصراحة، أحد الزملاء النواب يطالب ببناء مدرسة، وآخر يطالب برصف شوارع منطقته؛ أهذا هو دور النائب البرلماني؟ وإذا كان هذا من أدوار النائب البرلماني فما هو دور وزير التربية والتعليم أو وزير البلديات والأشغال؟ أو ما هو دور المجالس البلدية؟». أكملت بحماس: «سيدي معالي الرئيس؛ كل يوم وأنا أطالع الصحف المحلية، ولاسيما صفحات البرلمان، أشعر بالحرج كوني نائبة برلمانية؛ عناوين لا أجد لها تحليلاً منطقياً منها على سبيل المثال «النائب الفلاني يزور وزير الأشغال للتباحث حول الشارع الفلاني» و»النائب الفلاني يطلب من وزير التربية بناء مدرسة جديدة في المنطقة الفلانية» والنائب الفلاني يناصح المسؤول عن الشباب بالاهتمام بالشباب! أهذا هو دور البرلماني؟ أما عن تشكيل اللجان فحدث ولا حرج، فأي قضية يخرج لنا أحد الزملاء النواب مطالباً بلجنة؛ لجنة للعمالة السائبة، لجنة للطالب الذي تغنى بآيات القرآن الكريم، لجنة لمشكلة اللحوم الفاسدة.. وغيرها من اللجان، مع العلم بأن هناك أموراً يستوجب النظر والبت فيها على وجه السرعة ويمكن نقاشها مع المعنيين دون تشكيل لجان!! معالي الرئيس أين نحن عن قضايا ملحة مثل ما حصل في سجن جو مؤخراً؟ أين نحن عن شحنة الأسلحة التي ضبطت؟ أين نحن عن الأخطاء الطبية وتدني مستوى الخدمات المقدمة؟ أين نحن من سكن العمال الذي ضبط مؤخراً في أحد المدارس الخاصة؟ أين نحن مما يحصل في مدارسنا من تحرشات جنسية تطالعنا بها الصحف بشكل متكرر؟ أين نحن من إيجاد بدائل لزيادة الدخل القومي؟ أين نحن مما وعدنا به الشعب وهو زيادة دخولهم؟ قال جلالة الملك المفدى أطال الله في عمره «لا خير في تنمية لا يستفيد منها المواطن»، وأنا أقول لا خير فينا إذا لم نتقيد بما قاله جلالة الملك ونطبقه».وواصلت «معالي الرئيس إن دور النائب البرلماني هو سن التشريعات ومراقبة الأداء الحكومي من أجل ضمان الاستدامة والعدالة وتحقيق الرفاهية، ألسنا هنا لنسن تشريعات تضمن مزيداً من المكتسبات للمواطن؟ أليس دورنا يتمثل في سن تشريعات تضمن تأطير العمل الحكومي والمجتمعي ومأسسته؟ ؟ أولسنا هنا لنقيم الأداء الحكومي ونقومه من أجل تقديم خدمات حكومية أفضل للمواطن؟».وفجأة ودون سابق إنذار تساقطت الدموع من عيني وانحدرت، بكيت بحرقة، فسمعت أحد الزملاء النواب يقول «ماذا تقول هذه المرأة المعتوهة؟ ولماذا تبكي؟»، بينما سمعت أحدهم يقول «أطلب من المصور أن يتوقف عن التصوير، همس إنها تريد أن تكسب تأييداً شعبياً بدموعها»، فرد عليه آخر «إن كيدهن عظيم»، واصلت بكائي وطلبت من معالي الرئيس أن يقبل استقالتي لأن ما يدور في المجلس النيابي لا يتعدى «اللغط». فجأة صحوت من هذا الكابوس المزعج، والحمد لله أنه كان مجرد حلم لا يمت للواقع بصلة، تنفست الصعداء ورحت أردد «خير اللهم اجعله خير»، ورحت أحاول أن أطرد الوساوس وأذكر الله لأنسى تفاصيل هذا الحلم المخيف، وعندما أعدت التفكير في الحلم رحت أفكر في الحكمة التي قالها جلالة الملك حمد بن عيسى «لا خير في تنمية لا يستفيد منها المواطن البحريني»، وأعتقد بأن لو كل مسؤول وضع هذا القول أمامه لاختلفت طريقة إدارته لمؤسسته ولعمله.. لو كل متخذ قرار وضع نصب عينيه المكتسبات العائدة على المواطن البحريني في أي مشروع يقوم به لاختلف حالنا ولازدهر وضع المواطن البحريني.