ماذا سيقول السفير الأمريكي حين يعلم أن نسبة المشاركة التي وصفها بالكبيرة وهي لم تتجاوز %52.2 في الانتخابات كان من المفروض أن تكون %60 كما صرح وزير العدل، ولكن بسبب خطأ ارتكبه أكثر من %7 من عدد الناخبين لم يوثقوا أسماءهم في القوائم خسروا فرصة المشاركة وخسرت البحرين نسبة %60، حينها سيصف السفير الأمريكي النسبة الأخيرة بالعظيمة وليس بالكبيرة فقط.
إنما في النهاية ودون أن نقف عند مصداقية الشعور الأمريكي بوصفها كبيرة أو عظيمة، نذكر الشعب البحريني فقط بأن النداء الذي وجهته البحرين «للمارد» للخروج للانتخابات يوم 22 نوفمبر بأن تلبيتهم للنداء حققت الهدف، وها هو السفير الأمريكي يقر بأن نسبة الانتخابات كانت عاملاً فاصلاً وكانت لها الكلمة في النظر إلى واقع البحرين «برغبتهم أم بعدمها».
المارد الذي خرج للفاتح غير منعطف التاريخ، والمارد الذي خرج للانتخابات ثبت هذا التغيير ووثقه وأجبر العالم أن يراه نسبة وواقعاً وحقيقة، رآه رأي العين وحسبه ووثقه رغماً عن أنف المتآمرين من الداخل والخارج ورغم إنذار رجل الدين بتصفير الصناديق.
وسيظهر «المارد» وسيقف عند كل منعطف تاريخي تحتاجه الأم عند أول نداء سيلبي الدعوة، والـ%60 نسبة ستكبر وستزيد حين يتحرر البقية من عبوديتهم وخوفهم ويلجؤون للوطن بدلاً من لجوئهم لمرجعية ثيوقراطية دينية فارسية لها أجندتها القومية الخاصة، وهذا ما تحتاج أن تعمل عليه البحرين وبقوة.
لا نحارب الدين ولا نحارب التدين ولا ننتهك الخصوصية المذهبية ونحترم كل الديانات، لكن مشكلتنا مع التبعية التي لا بد وحتماً ستكون سياسية حين ترتبط بمرجعية فقهية خارج البحرين، ومشكلتنا مع كل رجل دين يسعى للسلطة والعمل السياسي، ونجاة البحرين حين يتخلص كل بحريني من سطوة رجال الدين الباحثين عن الكرسي السياسي.
معظم البحرينيين تخلوا عن الجماعات والأحزاب الدينية السياسية، مما اضطر هذه الأحزاب إلى «تأجير» مرشحين من خارج الجمعيات يكذبون على الجماهير ويدعون الاستقلالية، بعد أن علموا أن نزولهم بمرشحيهم سيكون هزيمة لهم، دعك من نجاح خدعتهم وانطلائها على البسطاء، إلا أن الرسالة وصلت للأحزاب الدينية من شعب البحرين حين قالها بكل جرأة، لا نريد وصاية علينا من الدعاة ورجال الدين الباحثين عن السلطة.
بقي أن تتحرر مجموعة الولي الفقيه من عبوديتها وتنضم لشعب البحرين ولتحتفظ بخصوصيتها المذهبية ولتحتفظ بدينها بينها وبين ربها، ولكن عليها أن تقول لكل رجل دين اعتلى على ظهورها كفى.
آن الأوان لرجال ونساء الشيعة أن يتحلوا بالجرأة كما تحلى السنة وقالوها في كل محفل وبالعلن، خاصة المثقفين والأكاديميين فهذا دورهم.
أمس كنا في ندوة حول كتاب «السراب» للدكتور الإماراتي جمال سند السويدي رئيس مركز أبوظبي للدراسات والبحوث الاستراتيجية وهو كتاب جريء وذو فائدة عظمى للمكتبة العربية يتناول قضية الجماعات السنية السياسية بجرأة ويقتحم أغوارها رافضاً زيف ادعاءاتها، لينضم كتاب «السراب» إلى سلسلة طويلة من الدراسات والبحوث التي كتبها باحثون وأكاديميون سنة في نقد الحراك السياسي الديني للجماعات الدينية السنية، فمتى نقرأ كتاباً واحداً لكاتب شيعي بحريني ينتقد هذه الجماعات نقداً رصيناً علمياً منهجياً؟ متى يتجرأ الأكاديميون الشيعة -وهم كثرة ما شاء الله- بتحليل شهاداتهم وعلمهم في البحث في هذا المجال ويكفون عن التذرع بسطوة الإرهاب وسطوة الطوق وسطوة الحصار؟ فالكتاب السنة كسروا هذا الطوق رغم الإرهاب ورغم التهديد أيضاً، لكنهم بدؤوا.. فمتى تبدؤون أنتم، على الأقل بالتصريح عن مواقفكم التي نسمعها همساً؟