هنالك فرق شاسع بين الواقع السياسي غير المعلن وبين ما يتداوله عامة الناس عبر وسائل التواصل الاجتماعي وغيرها من وسائل الاتصال الحديثة، فمازالت النخب السياسية فيما بينها هي التي تحدد شكل الحاضر والمستقبل، أما ما يهواه الناس البسطاء فإنه يظل مهما كبر في مستوى الأماني والأمنيات. جولة سريعة في عالم مواقع التواصل الاجتماعي وبعض الفضائيات الإخبارية غير المهنية التي تقوم بتضخيم القضايا والشؤون السياسية في العالم ستعطينا انطباعاً واحداً فقط؛ وهو أن الحرب العالمية الثالثة على الأبواب، وأنه يجب على الجميع أن يستعد للحرب العالمية القادمة، بل إن بعضهم بدأ يتنبأ بنهاية العالم أو بقرب قيام الساعة.
نحن لا نريد أن نقلل من سخونة المشهد السياسي في العالم، وفي المنطقة على وجه التحديد، وكيف أن الأحداث تتوالى بطريقة دراماتيكية وكذلك ما للفوضى السياسية من دور بارز في «خربطة» الأوراق، خصوصاً مع مطلع الربيع العربي وحتى يومنا هذا، لكن هذا لا يعني أن نقوم بتهويل الأحداث والانسياق خلف «الماكينات» الإعلامية المتخصصة في بث الأكاذيب وتضخيم القضايا، أو تصديق كل ما يردنا من أخبار وتحليلات سياسية أو عسكرية عبر مواقع التواصل الاجتماعي وغيرها.
هنالك اليوم غرف استخباراتية متخصصة في نشر الإشاعات وتضخيم بعض الأحداث من أجل بث الذعر والرعب في نفوس الناس، وذلك في سبيل تسجيل مواقف شعبية لحساب طرف دون طرف آخر، مدركة تلكم الجهات المختصة في هذا الشأن أن لحرب الشائعات الإعلامية دوراً كبيراً جداً في تجيير المجتمعات البشرية عبر العالم لأفكارها الجهنمية وأخذها نحو المنطقة التي تروج لها.
لا يمكن أن ننكر حجم التغيرات السياسية اليوم، لكن ليس بالطريقة التي يسوق لها سماسرة الإعلام الاستخباراتي، فكميات الأخبار الكاذبة والتحاليل الصادمة التي يستقبلها المتلقي في العالم تعطينا مؤشراً واضحاً أن هنالك أيادي خفية تحاول إما تشويه الحاصل على الأرض أو تحريض المجتمعات على الكراهية والخوف وعدم الثقة في المستقبل.
قبل نحو ثلاثة أعوام فقط، من كان يقرأ ما تكتبه أو يشاهد ما تبثه وسائل الإعلام العالمية وكذلك ما يبث عبر وسائل التواصل الاجتماعي، سيشعر أن الحرب الكونية على الأبواب، واليوم لا شيء تغير سوى تكريس مفاهيم الكراهية لا أكثر، أما الحروب المزعومة فإنها لا تتعدى في أن تكون متوازية لصناعة الخبر الكاذب وترويجاً صريحاً لبيع الأسلحة والنفط من قبل الدول المتآمرة.
المطلوب هو أن يمتلك كل فرد منا «فلتراً» قوياً من أجل تنقية وتنقيح الأخبار الكثيرة التي يستقبلها الفرد في الدقيقة الواحدة عبر وسائل الإعلام الخاصة والعامة كذلك، وأن يفرز كل منا ما يصله من معلومات -خصوصاً في الشأن السياسي والعسكري- من أجل رفض الزائف منها والإيمان بالحقيقة، على الرغم من صعوبة المهمة.
إن حرب الشائعات في زمن المعلومة تعتبر من أبشع الحروب العالمية اليوم وأكثرها قذارة، فهي من الأدوات المثبطة لعزائم الهمم، وهي التي من شأنها أن تحول الخيال إلى واقع والافتراض إلى حقيقة، وهذا ما يصنع فينا مجتمعات لا تثق بنفسها ولا تعلم ما يدور حولها، بينما لا يتعدى الأمر أحياناً في كون ما يبث لنا من أخبار هي مجرد أكاذيب من تلفيقات العالم المتوحش، يلزمنا أصحابها أن نصدقها حين غفلة.