الأسواق الشعبية والمحلية في كل دول العالم هي الواجهة الحقيقية لتاريخ أي وطن، فالدول التي تمتلك أسواقاً شعبية قديمة نجد الجهات المعنية بها تعنى بتطويرها والحفاظ عليها، وتتمسك بها من كل الجوانب، بل هنالك من الدول التي تفتقر للأسواق الشعبية التي تحكي تاريخ ذات الشعب وعاداته وتقاليده وتراثه الوطني، نجدها تخترع سوقاً موازياً لثقافة شعوبها.
الأسواق الشعبية اليوم ليست ترفاً اقتصادياً أو فكرياً، بل هي حاجة ملحة للتعريف بتاريخ الوطن والتسويق له سياحياً أو حتى محلياً، وذلك من خلال إحياء معالمها والحفاظ على وجودها وهيئتها وطريقة بيئتها الحاضنة لوعي وأهمية تاريخ تلك الأوطان، فمن يفرط في الحفاظ على أسواقه الشعبية فإنه يقضي على قسم هام جداً من تراثه الوطني ومن الذاكرة الجمعية للمجتمعات التي مرت منها وإليها.
هذه ليست المرة الأولى ولا حتى العاشرة التي نطلق فيها نداءات استغاثة من أجل الحفاظ على هوية الأسواق الشعبية في البحرين، وعلى وجه التحديد سوقي المنامة والمحرق، إضافة لبقية الأسواق التي كانت في حجمها المحدود تمثل حقبة زمنية مهمة من تاريخ الوطن وعاداته وتقاليده وحركته التجارية.
إن الاهتمام بسوق المنامة يعني أننا نعتني بتراث الأباء والأجداد، فلا يمكن أن يأتي السائح إلى البحرين فلا يجد خارطة واضحة للسوق، ولا يجد مرشداً سياحياً واحداً يرشده للمتاجر والمهن والأزقة القديمة التي تمتد بعمر وتاريخ هذا الوطن!
هل من المعقول أن يفتقر سوق المنامة كل السوق إلى كراس لاستراحة المتسوقين فيه؟ هل يعقل أن سوقاً بعراقة هذا السوق العربي يخلو من دورة مياه لمرتاديه؟ هل من المقبول أن يفتقر سوق المنامة إلى لوحات أو ملصقات أو منشورات إرشادية تدل السائح إلى حيث يريد الذهاب إليه؟ هذه بعض الأمثلة للنواقص الأولية والتحتية التي يحتاجها أي سوق في العالم.
كل المحاولات التي نشاهدها من أجل تطوير سوق المنامة هي محاولات أهلية أو فردية أو من طرف لجان خاصة، كاللجنة الأهلية لتطوير سوق المنامة، أو من طرف بعض الفنانين البحرينيين الذين يتبرعون بأوقاتهم وبجهدهم وبتمويلهم الشخصي كذلك في سبيل ترسيخ الوعي بأهمية السوق وتاريخها، سواء للسائحين أو للمقيمين أو للمواطنين على حد سواء، وقد نحجوا إلى حد ما في تعريف الناس بسوقنا العريقة، ويبدو أن لديهم الكثير من الأفكار سيقومون بتنفيذها متى ما سنحت لهم الفرصة لذلك.
هؤلاء، الذين يجب على الدولة أن تدعمهم وتمولهم وتشجعهم، إضافة إلى الجهود الرسمية -طبعاً- والتي يجب أن تتحمل العبء الأكبر في سبيل تطوير السوق من كافة جوانبه، وهذا الذي لم نشاهده أو نره حتى هذه اللحظة بصورة جدية.
نأمل أن تتطور أسواقنا المحلية والشعبية، تلك التي أسسها الأجداد، فكانت عبارة عن طريق حرير جديد للتجارة الحقيقية في هذه المنطقة، فالأسواق تعكس مدى حرصنا على تراث اقتصادي ضارب في الأعماق، ولعل من أهم أعمدته هي سوق المنامة التي يجب أن نعض عليها بالنواجذ حتى لا تضيع في زحمة الأسواق الحديثة فينتهي قسم ثمين من تاريخ البحرين القديم، في غفلة من مسؤول لا يريد أن «يشتغل» بضمير وطني صادق.