من الطبيعي أن تصريحات السفير الأميركي ويليام روباك لوكالة أنباء البحرين لم تعجب الوفاق و«المعارضة» على اختلاف ألوانها، فهي لا تريده أن يقول مثل ما قال، وتعتقد أن على سفير الولايات المتحدة أن يعبر عن وجهة نظرها وموقفها هي وليس عن وجهة نظر وموقف بلاده، على اعتبار أنها هي الصح فقط وأن الحق كله معها، يدور حيث ما دارت، بل تعتقد أنه لا مجال للدبلوماسية ولا حتى للإتيكيت، فالسفير إن لم يقل ما تقوله فهو منحاز للحكومة وضد «المعارضة»، وبما أنه كذلك فإن هذا يعني أن بلاده أيضاً كذلك وأنه بالتالي صار واجباً مقاطعته واعتبار كل ما يصدر عنه مجاملة للسلطة.
لا يعجب هذه الجمعيات، خصوصاً الطارئ منها على العمل السياسي، أن يقول السفير الأميركي لدى المنامة إن إصلاحات جلالة الملك تستحق الثناء العظيم وإن البحرين شريك أمني واستراتيجي، وإن الولايات المتحدة أعربت مراراً عن دعمها لجهود صاحب الجلالة الإصلاحية لتعزيز الحقوق الأساسية لجميع المواطنين البحرينيين، وإن الدولة شجعت وتشجع على تدابير بناء الثقة وبناء المؤسسات التي يمكن أن تؤدي إلى المزيد من الفرص للحوار وحماية أفضل للحقوق الأساسية، وإن هناك متطرفين يمارسون العنف لزعزعة استقرار البحرين.
فمثل هذه التصريحات الواقعية والعاقلة تكفي لأن تضع الوفاق ومن معها السفير الأميركي الجديد في خانة المغضوب عليهم والضالين، حتى وإن سعى بحكم عمله إلى الاستماع إلى الكثير من «الناس الطيبين الذي التقاهم» حسب تصريحه ليتعرف على مختلف وجهات النظر. والسبب هو أن هذه التصريحات صدرت عن دراية وفهم للواقع البحريني، فهي جاءت بعد تلك اللقاءات وليس قبلها، أي أنها نتيجة وليست توقعاً. فطالما أن النتيجة هي الثناء الواضح والمباشر على ما قامت به القيادة وما قامت وتقوم به الحكومة فإن هذا يعني أن «المعارضة» خسرت ما اعتقدت أنه سيكون العون والسند.
أن يثني السفير الأميركي على مقال سمو ولي العهد الذي نشره أخيراً في صحيفة «ديلي تلغراف» وتناول فيه مسألة الأيديولوجيات الثيوقراطية ويبدي إعجابه بالعديد من المبادرات التي أطلقها سموه بتوجيه من صاحب الجلالة الملك المفدى، فهذا يعني أنه -السفير- منحاز إلى السلطة وضد «المعارضة» وضد الحق وضد كل الشعارات التي ترفعها الولايات المتحدة والغرب بما فيها الديمقراطية!
هذا المستوى من التفكير السالب الذي تعاني منه معظم الجمعيات السياسية المحسوبة على «المعارضة» هو ما يبعدها عن أن تكون طرفاً في الوصول إلى حل يرضي الجميع، فهي تعتقد أن كل سفير لبلاده لا يقول بما تقول به يقف ضد الحق والإنسانية والمبادئ والقيم، وضد المظلوم، وتعتقد أيضاً أنه على سفير أي بلد، خصوصاً الولايات المتحدة وبريطانيا، أن يعبر عن وجهة نظر «المعارضة» ويفرض حلولاً على السلطة ويرغمها على قبولها، ولهذا اهتم السفير روباك بالتأكيد على أنه من غير المقبول تدخل السفراء في الشؤون الداخلية، ونبه إلى أن «رسالتنا الأساسية في هذا المجال هي.. الأمر متروك للبحرينيين لرسم مستقبلهم.. ويجب عليهم تحديد مصيرهم بأنفسهم»، وتأكيده أن حلول القضايا التي تواجهها البحرين «لن تأتي من الخارج ولكن من الداخل».
فإذا أضفنا إلى كل ما قاله السفير ويليام روباك من أن هناك عملاً وثيقاً مع البحرين في مجالات الأمن الإقليمي وأن هناك عزماً على توسيع استثمارات القطاع الخاص الأميركي في البحرين، ثم أضفنا على كل هذا قوله إن «الأسطول الخامس بالبحرين رمز لالتزامنا بأمن شركائنا» فهذا يعني أن «المعارضة غسلت يدها» من هذا السفير الذي تمنت أن يكون كسابقه متعاطفاً معها إلى الحد الذي صار خاتماً في إصبعها