لطالما لمست العذر لوالدي -رحمه الله- لرفضه في بعض الأحيان طلباتي غير المنتهية، وأنا أعترف بأنني كنت طفلة يغلب عليها الطمع وكثرة الطلبات؛ كنت عندما أذهب إليه -رحمه الله- لطلب شراء غرض ما يكتفي بكلمة واحد «ما عندي»، وكنت كالعادة أركض باكية مندسة في كنف أمي -أطال الله في عمرها- لأشكو لها رفض أبي لطلبي، وكانت بحنيتها اللا متناهية توضح لي الموضوع ولا تتركني إلا وأنا مقتنعة بأن رد والدي المقتضب كان صحيحاً.
مازلت أتذكر تبريراتها «أن والدك لم يرفض طلبك، لقد صارحك بموقفه المالي، وقال لك بأنه لا يملك المال الكافي الآن لشراء غرض كمالي، وأن أولوياته منصبة على توفير المستلزمات الرئيسة لك ولإخوتك الستة؛ وأنا أعدك بأن والدك سيوفر لك ما تحتاجينه إذا ما تيسر له الوضع».
كنت حينها أستغرب أيقصد أبي بكلمة «ما عندي» كل هذه الجمل الطويلة التي شرحتها لي أمي، وكنت أسأل أمي ببراءة لم لا يتقن والدي -رحمه الله- فن الشرح والتوضيح؟ وكانت تبتسم وتقول «هو مشغول بالكثير من الأمور، وهو يرى الأمور من زاوية مختلفة عما نراه نحن».
وكبرت وتمنيت لو كان لدى والدتي حل لفك شفرات ما تطالعنا به الصحف اليومية من أخبار مبتورة غير متكاملة تشبه إلى حد كبير ردود والدي رحمه الله، فيوم تطالعنا الصحف بقرار وقف علاوة غلاء المعيشة، ويوم آخر تطالعنا بزيادة أسعار الغاز الطبيعي، ويوم تفاجئنا بزيادة الرسوم دون أي تعليل يشفي غليلنا كما كانت تفعل أمي عندما كنت أهم إليها لأستوعب ردود والدي آنذاك.
مع أنني على ثقة كاملة بأن سياسة مملكة البحرين تنتهج مبدأ الشفافية إلا أن بعض الأخبار أو الشائعات تتلاعب بشعور المواطنين، فما جدوى تناقل خبر مهم مثل إيقاف علاوة الغلاء وعلاوة بدل السكن في هذا الوقت الذي يطمح فيه الشعب للحصول على مكتسبات أكثر؟ ولماذا نشهد الآراء المتضاربة حول هذا الموضوع المهم بالنسبة لغالبية الشعب؟ فالسادة النواب بعضهم يؤكد صحة الخبر، بينما ينفيه عدد آخر منهم، وتجد المسؤولين متوارين في مكاتبهم رافضين الإجابة على تساؤلات الشعب، والشعب يدور في دوامة ولا يعرف من أين يستقي المعلومة.
ولا أستغرب مطلقاً إذا ما رأينا عدداً كبيراً من الشعب البحريني يلتف حول قائد رأي «يدعي المعرفة» أو يتجه إلى قادة الرأي الإلكترونيين تحت مسميات وهمية ليقودوهم لمعلومات مغلوطة، فالمواطن حينما لا يحصل على المعلومة الصحيحة من مصدرها الصحيح، في الوقت الصحيح سيبحث عنها بأي طريقة تشفي غليله. فأتمنى لو نشهد في الأيام القليلة القادمة شروحاً وافية لكل ما يتعلق ويلامس المواطنين بشكل مباشر.