كان منطقياً أن تنتهي بالحرب حالة السلم واللاسلم التي عاشتها اليمن منذ عام 2011. ومنطقي أيضاً ألا تنتهي بسلام الغطرسة «الجوفاء» التي تمادى فيها عبدالملك الحوثي. ما يحدث في اليمن اليوم ليس نتيجة طبيعية لتطور الأحداث السياسية، ولكن نتيجة منطقية لتعطل حلول المعضلات الرئيسة للأزمة اليمنية.
كمراقبة للشأن اليمني، كتبت بعد إسقاط تنظيم الإخوان في أحداث عمران واقتحام العاصمة صنعاء عبر تحالف مفاجئ بين الحوثيين والرئيس السابق علي عبدالله صالح أن ما حدث عبث خطير بموازين القوى السياسية في اليمن قد يؤدي إلى تعاظم نفوذ الحوثيين إلى درجة تخرج عن السيطرة. وكتبت حين استولى الحوثيون على السلطة وشكلوا مجلس الحكم من عناصرهم بأن دول الخليج قد تخلت عن اليمن مما يهدد مصالحها وأن الأمر قد يستدعي تدخل لاعب جديد في الصراع، مثل مصر، يستشعر وصول الخطر قناة السويس فيتدخل لحماية باب المندب. يومها وصف البعض «استدعائي» لمصر بأنها رومانسية القومية يعاني منها بعض العرب. القراءات السابقة كانت مبنية على منطق تفاقم الأحداث وهكذا آلت إليه النتائج.
مارست حركة أنصار الله غروراً غير مقبول في التعامل مع مستقبل اليمن، ولعبت غير مرة دور الطرف المعطل للحوار. فمطالب الحوثيين كانت أكبر من حجمهم وتتجاوز إمكاناتهم. ولن نقول إن مطالبهم كلها لم تكن مشروعة وإن بعضها لم يكن وجيهاً، ولكن كان سلوكهم يسير باتجاه اتخاذ تلك المطالب ذريعة تمنحهم امتيازات عن الآخرين، وكانوا في كل مرة يحققون نصراً على الأرض يستخدمونه أداة ضغط لتغليب مطالبهم الذاتية على طاولة الحوار. والتحالف الناشئ بين العدوين السابقين «الحوثي ـ صالح» لا يمكن بشكل من الأشكال أن يتمخض عن نتائج حضارية لمستقبل اليمن.
والحديث عن الدعم الإيراني لجماعة الحوثيين ليس محض خرافة، فقد عملت إيران على استنساخ حزب الله اللبناني في صورة «أنصار الله» اليمني، ولا يخفى دلالة التقارب في الاسمين. وعلى الرغم من اختلافنا مع حزب الله إلا أنه، الخبرة الطويلة التي تجاوزت الـ»30» عاماً والحرب المباشرة مع إسرائيل وكم الدعم والتدريب الكبيرين من قبل إيران، هيأت للحزب إمكانات بشرية عالية في المجالات السياسية والقانونية والاقتصادية والعسكرية. وهو ما لا يتوافر في عناصر أنصار الله قليلة التعليم ومحدودة المهارات. ولم تعبر شخصية عبدالملك الحوثي عن أكثر من فزاعة ورق لصورة حسن نصرالله يقلد التلوين الصوتي في خطاباته وحركة يديه وجسده. والطموح السياسي الذي تحرك في اتجاهه الحوثيون يتجاوز حجمهم الطبيعي في اليمن، وأطماعهم السياسية لا يستطيعون النهوض بها بحكم حالة «الأمية» التي تهيمن على الحركة بسمة عامة.
وكان الاكتساح الكبير للمدن اليمنية الذي سيطر عليه تحالف «الحوثي- صالح» أكبر من أن يصمت أمامه جيران اليمن لأن من يقف وراءه هي إيران. ولن تقبل دول الخليج بتحويل اليمن إلى ورقة ضغط إيرانية جديدة وأداة ابتزاز أخرى. فوقعت الحرب وهي كره للجميع.
ما يتعين على الجميع، خليجيين ويمنيين، أن يعملوا على جعل الحرب مقدمة لمشروع سياسي لتأسيس الدولة اليمنية الحديثة التي صارت كالحلم يطير عن اليمنيين في كل مناسبة. وذلك باستدراك ألا تفرز الحرب توازنات جديدة تعيد إنتاج أزمات اليمن. وهذا ما يقتضي من دول التحالف أن تضع إبادة تنظيم القاعدة في مقدمة أولوياتها، فخطر القاعدة وأخواتها الإرهابي لا يقل عن النفوذ الحوثي. فعادة القاعدة أن تزدهر بعد كل حرب. كما يتعين أن تدعم دول التحالف حواراً يعزز من وضع القوى المدنية والأحزاب التقدمية أمام القوى القبلية والإسلاموية بفتح المجال أمام عناصر جديدة لإدارة المرحلة غير العناصر القديمة التي كان وجودها في حد ذاته أزمة.
الضربات العسكرية سوف توهن النفوذ الإيراني في اليمن، ولكنها ستضع وحدة الأراضي اليمنية على المحك، فثمة أكثر من فصيل يمني طامح إلى الانفصال، وثمة نسخ عديدة لمشاريع انفصالية تنتظر الفرصة الملائمة لتشكيل عناصرها والانقضاض على جغرافيتها. وهو تحد يتعين ألا تغفله ضمن أجندتها. كما لا يمكن إغفال ما ستسببه الثروة اليمنية من إشعال نزاعات جديدة وخصوصاً في جنوب اليمن. فحجم النفط والغاز الكبير قد يغري قوى محلية أو إقليمية لوضع اليد على تلك الثروات وحرمان اليمنيين.
كيف ستدار اليمن بعد الحرب وفي أثنائها؟ كيف سيتواصل الحلفاء مع الأطراف السياسية داخل اليمن؟ وكيف سيعاد بناء اليمن مادياً ومعنوياً من آثار الأزمات المتلاحقة؟ كلها أسئلة يعيش اليمنيون اليوم على وقعها.