إشراقة صبيحة الخميس الماضي ليس كباقي الأيام، إنه يوم وضاء وعزة وكرامة، وقد أخذ مكانه في سجل تاريخ الأمة بعد أن كادت ترفع الأقلام وتجف الصحف، ومعروف عن طباع العرب والمسلمين الأناة والصبر والحلم عند البلاء، لكن كل تلك الصفات الجميلة قد أخذت أقصى مداها مما أسيء فهمها من قبل الطرف السائر في غيه، واستغل ذلك أبشع استغلال، فانهالت علينا السهام وكثر من حولنا اللئام.
ومما عمق في ترسيخ هذه الفكرة هي الانكسارات والتراجع في بعض الثغور دون ردة فعل مؤثرة تعيد الباغي إلى رشده.
يعلم يقينا أعداؤنا أنه ليس بمقدورهم مواجهة جحافل الأمة، فعمدوا بإضعافها وتمزيق أوصالها وتساقطت خلال برهة من الزمن بعض أركان هذه الأمة، وانتشرت الفوضى وعم الخراب، وأصبحت المواجهة مكشوفة والتصريحات معلنة وأغلق للأبد باب التقية، وتبين لقادة وشعوب المنطقة أن العدو لا حدود لأطماعه، وأنه أصبح قريباً من دارهم وأن التلاحم بات حتمياً ولا خيار أمامهم؛ فإما الرضى بدور المتفرج والانتظار حتى يساق من تبقى إلى المذبح أو التأزر والاتحاد ونبذ كل الخلافات وإظهار جانب الحزم والقوة لوقف الزحف والتدهور، ثم إعادة الحقوق المغتصبة لأهلها وإيصال رسالة قوية مفادها أن هذه الأمة لن تموت، وما حدث من تراخ في المواجهة إنما هو دهاء وترقب، وأن غيابها عن مسرح الأحداث ليس لوهن أو قلة حيلة، فقد استفاق الأسد وغادر عرينه، لقد نفذ صبر قادة المنطقة وشعوبها من إمعان الأعداء بإلحاق الأذى بكل أشكاله، وما كان قادتنا يوماً تواقين وقارعي طبول الحروب، فهم يعوا جيداً ويلاتها وعواقبها.
ومعلوم أن العواصف والأعاصير لا تهب إلا بعد تراكب العديد من الطباق وتيارات الهواء، وهذا يشابه ما تعرضت له الأمة، حيث عمد أعداؤها بخلخلتها من داخلها ثم تسليط دولة إقليمية على رقابها، فاستخدمتها كعصا غليظة منفلتة من كل مبادئ القانون الدولي ومواثيق الأمم المتحدة وبموافقتهم وتحت إشرافهم، إنها إيران الحالمة بتشييد إمبراطوريتها الصفوية لتعيد هيمنتها وغطرستها، فالمعركة القادمة واضحة الأهداف والشخوص.
فلم يحدث منذ عقود أن يجتمع العرب والمسلمون بهذه السرعة، حيث أخذ زمام المبادرة خادم الحرمين الشريفين ونهض بإخوته وجمعهم على قلب رجل واحد في مواجهة قضية واحدة، وللمرة الأولى تجرأ أولئك القادة الرجال الذين أعادوا للأمة هيبتها ومن خلفهم شعوبهم المتعطشة لصولة الحق ومضوا بقرارهم الجريء دون المرور بكواليس الأمم المتحدة ومنظماتها ومجلس الأمن وأعضائه، والذين لم نحصد من ورائهم سوى الخذلان والإجحاد، وما يحدث لأهلنا في فلسطين بسببهم ليس ببعيد.
وقد وجه مع أول صولة رسالة مدوية بأن هذا التحالف العربي الإسلامي ليس موجهاً بالتأكيد إلى بضعة آلاف من الحوثيين الخارجين عن الشرعية والقانون، والذين توهموا أن بمقدورهم أن يبسطوا نفوذهم في اليمن، كما توهم أسيادهم أن المعركة قد حسمت لصالحهم عند سقوط بغداد والشام، فإنه وبحالة الوهن الذي وصلت به الأمة حسب منظورهم ضيق الأفق، قد بات بمقدورهم أن يبتلعوا اليمن، ثم ما هي إلا أيام وأسابيع فينفذوا ويتمددوا إلى قلب الجزيرة العربية بعد أن تصدر الإشارات لخلاياهم النائمة. لكنها جاءت صرخة مدوية في آذانهم ومزقت شغاف قلوبهم وسرت إلى كل قوى الظلام ومجاميع الإرهاب بكافة عناوينه ومسمياته بأنه حانت ساعة المواجهة والحساب، فإن كان للباطل جولة فإن للحق الكلمة الفصل والصولة.
فبعد تلك العاصفة أصبحنا أمام مفترق طريق لا عودة فيه؛ فإما القبول بالتعايش تحت مظلة وطن يكفل الحقوق للجميع، وهذه الرسالة لمن تسول له نفسه من عملاء الداخل والمغرر بهم، واحترام سيادة الدول وحقوق الجيرة والالتزام بالعهود والمواثيق الدولية وانكفاء من ينادي بتصدير ثورات بالية، والتي لا تصلح وليس لها قبول حتى عند شعوبهم، وليس لنا شأن بها ولا تعنينا أبداً مع رفع يد الوصاية المنقوصة التوكيل عن طائفة كريمة مازالت قاصراً في نظرهم واحترام الشرعية ومغادرة الأطماع وترك العزف على الطائفية المقيتة؛ أو التأهب للمواجهة التي لا طاقة لهم بها، وهذه فحوى الرسالة الموجهة لأعداء الأمة.. وعلى الباغي تدور الدوائر.