لم يطل انتظار الصمت السعودي على المهددات الأمنية التي يشكلها الحوثيون في حدود المملكة مع اليمن، إذ تأتي عملية «عاصفة الحزم» العسكرية في ظل مخاوف من أن تنشط جماعات إرهابية، ومنها القاعدة، في هذا البلد بشكل كثيف، إن لم تحسم هذه العمليات العسكرية الخليجية الأمر بصورة نهائية لصالح عودة الشرعية للبلاد، رغم أنها يمكن أن تشكل كسر لشوكة الحوثي.
وبدأت المملكة العربية السعودية دورها الإقليمي الطبيعي الأكثر فاعلية والمنتظر منذ فترة، فبهذه العمليات العسكرية تكون الرياض قد شرعت في ترتيبات إقليمية جديدة، ويعوزها أن يؤسس هذا الدور محوراً إقليمياً، يجمع العالمين العربي والإسلامي، ليرسم سياسة واضحة للمنطقة في مواجهة التهديدات الإرهابية، والتدخلات في شؤون الدول، ويقوي هذه الدول في مواجهة المعايير المزدوجة لدى الغرب نحو العالم الإسلامي.
لقد أثبتت «عاصفة الحزم» توقعات وقراءات معهد المشروع الأمريكي الذي أشار في تقرير له يونيو الماضي إلى أن اليمن ستكون «ساحة الحرب القادمة بين النفوذ السعودي والإيراني بالإضافة إلى الصراع الدائر في العراق وسوريا»، وهذه العمليات العسكرية تشكل حداً فاصلاً بين عهدي التدخلات الإيرانية في الشؤون العربية وما هو آت مستقبلاً من سيناريوهات، خاصة في ظل التوجهات العربية الراهنة لإنشاء قوة عسكرية عربية.
ولم يستفد الحوثيون من الجهد السياسي الخليجي الذي سبق «عاصفة الحزم» لا من أجل المناورة ولا من باب السعي الحثيث للكسب، وهم بذلك يفقدون لواء المبادرة، وهو أمر يدل على أنهم إما لا يفهمون جيداً في السياسة أو أن وعوداً قد بذلت لهم من جهات أخرى في حال أي حسم سعودي لما يحدث في اليمن.
الموقف الإيراني جاء أكثر بروداً من المتوقع، ربما يقول قائل إنها تتجهز لأمر ما، لكن واقائع الراهن تشير إلى أن ضغوطاً تُمارس على طهران ضمن مفاوضات الملف النووري تجعلها أكثر مرونة فيما يخص «عاصفة الحزم»، وقد يقدم الغرب والولايات المتحدة بعض تنازلات تجعل لعاب طهران يسيل بما يشغله عن رد الفعل المتسرع أو الغاضب ضد التحالف العربي السعودية الإسلامي في «عاصفة الحزم».
كل السيناريوهات قابلة لأن تكون، طالما أن مفاوضات النووي لا زالت تجري، وربما يكون أمر توقيت «عاصفة الحزم» مع هذه المفاوضات من إيجابيات النجاح الحاسم.
صحيح أن أي حسم لـ «عاصفة الحزم» سياسياً قبل القضاء على حركة «الحوثي» وكسر شوكته، يعطي المملكة العربية السعودية بعداً مهمة في السياسة الإقليمية بمواجهة الأطماع الإيرانية، وهو بعد مهم ومطلوب، لكنه يجعل الباب موارباً أمام أي حراك حوثي مستقبلاً للعودة إلى المربع الأول، ما لم تدفع مكونات المجتمع اليمني الوطنية بقيادة شرعية عبدربه منصور هادي بمبادرات أكثر عمقاً للإصلاح بعيداً عن محور طهران ببعده «الفارسي» المعروف بعدائه التاريخي للعرب.