من يتابع تغطية الفضائيات الإيرانية وتلك المحسوبة على إيران لعملية «عاصفة الحزم» وتطورات الأحداث في اليمن؛ يتبين له كيف أنها جميعها تأتمر بأمر واحد وتنفذ توجيهاً واحداً وتعمل ضمن استراتيجية واحدة وترمي إلى أهداف محددة؛ فهي تهتم كثيراً باستضافة المحللين الذين تعرف جيداً أنهم ينحازون للرأي الإيراني، وتستضيف من يختلف معهم أحياناً لتظهر نفسها على أنها محايدة وأنها مع الرأي والرأي الآخر، وأن ما يهمها هو الخبر (أي أنها ليست منحازة ومهنية)، وتجري مقابلات مع الأشخاص الذين يعنيها أمرهم؛ فتتيح لهم كل الفرصة ليمرروا ما يريدون تمريره على الهواء مباشرة من آراء وربما تعليمات وتوجيهات لتابعين لهم، وتنشر الأخبار التي ترفع من معنويات الحوثيين بينما تهمل كل خبر يمكن أن يستفيد منه الآخر التي لا يتوافق معها وتعتبره عدواً، وتخصص كل الوقت لخطابات السيد حسن نصر الله وعبدالملك الحوثي فتبثها كاملة مهما كان الزمن الذي يستغرقه ذلك ثم تخصص الوقت المتبقي لإعادة بثها والتعليق عليها في كل نشرة إخبارية وفي البرامج الأخرى بما يعزز ما جاء فيها.
كما تعتمد مصطلحات واحدة؛ فعاصفة الحزم «عدوان سعودي»، ودخول أي دولة في التحالف العربي «تواطؤ ووقوف في صف الظالمين»، والقتلى اليمنيين أياً كانت ظروف وفاتهم شهداء، وسقوط طائرة حربية في أي ظرف يبث بطريقة لا تخلو من الفرحة. أما الشحن فحدث ولا حرج، فكل ما يتم بثه من مواد في هذه الفضائيات يعمل على شحن المتلقي وإبراز وجهة النظر المؤيدة لإيران، فهذا هو الهدف الأساس من كل تغطية، بل الهدف الأساس من إيجاد تلك الفضائيات التي يتم الصرف عليها ببذخ لافت.
هكذا هي هذه الفضائيات التي تدعي الموضوعية وترفع شعارها لكنها تنحاز لكل ما يعين إيران على تحقيق مآربها، ولهذا فإنها تركز كثيراً على الصور والأفلام التي تحاول من خلالها اتهام من وراء عاصفة الحزم بأنهم معتدون وقتلة، فتأتي الصور لتبرز بعض المباني الطينية المهدمة ودمية ونعال وآثار دماء ليس بالضرورة ملتقطة في اليمن، كما تهتم ببث لقطات مصورة من الأرشيف لحوادث سابقة وتحاول أن توهم المتلقي بأنها جديدة.
وبالتأكيد لا يمكن لهذه الفضائيات أن تصف ما قام به الحوثيون بالانقلاب على الشرعيـة وأنهــا تسعــى للسيطــرة على اليمن وفرض نفسها على الجميع، بل تعتبر الرئيس اليمني رئيساً سابقاً ومستقيلاً ومتواطئاً مع الأجنبي ضد وطنه، فهي تروج إلى أن الحوثيين إنما مارسوا حقهم وأنهم يقودون ثورة، وأن الشعب اليمني كله يقف معهم وأنهم لم يلجئوا إلى إيران إلا بعد أن يئسوا من الدول العربية، وأن إيران تقف معهم لأنها تشعر أنهم مظلومون وأنه لا أهداف لإيران ولا أطماع في اليمن، وبالطبع تردد كل ما تقوله إيران في هذا الخصوص بغية تبرئة ساحتها.
هذه الفضائيات تحاول أن تبرز كل شر تمارسه إيران على أنه خير، وتروج إلى أن كل فعل يصدر عن إيران لا تريد منه إلا أن يكون في ميزان حسناتها وأنه لا مصلحة لها في كل هذا الذي يجري في اليمن، مثلما أنه لا مصلحة لها في كل الذي جرى ويجري في سوريا والعراق ولبنان وغيرها من الدول القريبة منها والبعيدة.
هذه الفضائيات لا عمل لها سوى قلب الحقائق وتزييف الواقع ومحاولة عمل غسيل مخ للمتلقي ذي النية الحسنة والذي يجهل مرامي من يقف وراءها ويمولها، فلو كانت مهنية كما تدعي لما اصطفت إلى جانب إيران بهذا الوضوح المفضوح ولأبرزت رأي الآخر مثلما تبرز الرأي الأول. إنها فضائيات تحتاج إلى «عاصفة حزم» خاصة بها.. وكرباج.